فإن الرواة عن عمرو بن شعيب قد اضطربوا في هذا الحديث فجاء كما في الروايات السابقة النهي عن النظر إلى عورة الأمة إذا زوجت، وحددت فيما بين السرة والركبة.
وجاءت رواية أخرى من طريق النضر بن شميل عن أبي حمزة الصيرفي وهو سوار بن داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: " وإذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره، فلا تنظر الأمة إلى شئ من عورته، فإن ما تحت سرته إلى ركبته من العورة " رواه الدارقطني وهي عند البيهقي جميعها في سننه، انظر (2/ 320).
وهذه الرواية فيها تحديد العورة للسيد وهو الرجل بخلاف الرواية الأولى، مما يدل على اضطراب الراوي في ضبط هذه اللفظة ولا سيما الرواية الأخيرة فمدارها على أبي حمزة الصيرفي ومجمل أقوال الأئمة فيه أن فيه ضعفاً، فهذا الاضطراب منه، بل ذكر الدارقطني عنه أنه لا يتابع على رواياته، وقد رواها بواسطة محمد بن جحادة الثقة عن عمرو بن شعيب كما عند البيهقي (3235)، فهذه علة أخرى لروايته هذا الحديث، لذلك قال البيهقي رحمه الله كما في سننه الكبرى (2/ 320) بعد روايته لهذه الألفاظ: [وهذه الرواية إذا قرنت برواية الأزواعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى عورتها إذا زوجها وأن عورة الأمة ما بين السرة والركبة و سائر طرق هذا الحديث يدل وبعضها ينص على أن المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة السيد بعد ما زوجت أو نهي الخادم من العبد الأخير عن النظر إلى عورة السيد بعدما بلغنا النكاح فيكون الخبر وارداً في بيان مقدار العورة من الرجل لا في بيان مقدارها من الأمة] أ. هـ كلامه رحمه الله.
وانظر: سنن البيهقي الأحاديث (3237،3236،3235،3234،3233،3224،3223،3219).
كما أن هذا الحديث بألفاظه المختلفة لو صح فيه تحديد عورة الأمة، لا المرأة الحرة. والفرق في الاستتار بين الأمة والحرة لا يخفى، وهذا ثابت بالأدلة الصحيحة من سنته صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم، مع العلم أن بعض أهل الحديث لم يثبت هذه الرواية ولم يعرج عليها في تحديد عورة الرجل.
وينظر كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (6/ 18).
ثالثاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: " تفتح لكم أرض العجم ... " رواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو به. وهذا لا يصح، ففيه الأفريقي وضعفه أشهر من أن يُعرف، وشيخه عبد الرحمن بن رافع مجهول. ولو صح فليس فيه رخصة إلا لذوات الحاجة من النساء، ولا يلزم من الدخول انكشاف العورات كما هو معلوم.
رابعاً: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: " احذروا بيتاً يقال له الحمام .. " رواه البزار (211 - مختصر زوائده للحافظ ابن حجر) فقال: أخبرنا يوسف بن موسى أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا سفيان الثوري عن ابن طاووس عن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه.
وظاهر هذا الإسناد الصحة ولذلك اغتر به بعض العلماء فصححه، ولكن الصواب فيه أنه مرسل كما رواه جمع من الحفاظ.
قال البزار رحمه الله: (رواه الناس عن طاووس مرسلاً، ولا نعلم أحداً وصله إلا يوسف عن يعلى عن الثوري) أ. هـ كلامه.
والذي يظهر أن الخطأ في وصله من يعلى بن عبيد روايه عن الثوري فهو وإن كان ثقة ففي روايته عن الثوري ضعف، وقد جاءت أحاديث أصح منه إسناداً تعارضه والذي قبله منها:
ما رواه أبو داود (2006) والترمذي (2803) من طريق أبي المليح الهذلي أن نساء من أهل حمص أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت: أنتن اللاتي يدخلن نساءكن الحمامات سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " وقد صحح هذا لحديث جمع من العلماء. وفي الباب أحاديث أخرى عن جمع من الصحابة منهم: عمر وأبي أيوب وجابر الأنصاريين وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً انظر: مسند أحمد وسنن الترمذي وسنن النسائي ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان وغيرهم، وبعضها يشهد لبعض كما قال بعض أهل العلم.
¥