كما هو معلومٌ أن كثيراً من المسلمين قد انشغلوا بكثيرٍ من الملهياتِ وخاصةً في العصورِ المتأخرةِ بشكلٍ لا يخفى على كل ذي لبٍ، ولو أحصيناها لم انتهينا من عدها، ومن هذه الملهياتِ لعبةٌ معروفةٌ منذُ القدمِ ألا وهي " الشطرنج "، وقد افتُتن بهذهِ اللعبةِ حتى بعضُ أهلِ الصلاحِ والاستقامةِ، وكنتُ مرةٍ في إحدى غرف ما يسمى بـ " البال توك " [حديث الأصدقاء] وفُتح نقاشٌ بخصوصِ حكمِ الشرعِ في هذه اللعبةِ، وكان أحدُ المناقشين قد نسب إلى عددٍ من الصحابةِ أنهم كانوا يلعبون بها كأبي هريرةَ، والحسنِ بنِ علي وغيرهِما، إلى جانبِ أنها لعبةٌ تنمي الذكاء، وتعينُ على معرفةِ خططِ الحربِ وغير ذلك من المبرراتِ كما زعم.
وفي هذا البحثِ لستُ بصددِ سردِ تاريخِ " الشطرنج "، أو التعرضِ لقانونِ اللعبةِ، أو غيرِ ذلك من الأمور، وإنما انصب البحث على صحةِ نسبةِ ما قيل عن الصحابة أنهم لعبوا بها، وكذلك حكمُ الشرعِ فيها، ونقلُ أقوالِ السلفِ بخصوصها، وتقريراتُ شيخِ الإسلامِ وتلميذهِ ابنِ القيمِ بخصوص " الشطرنج ".
الشطرنجُ في القرآنِ:
عند الرجوعِ إلى كتبِ التفسيرِ نجدُ أن بعضَ العلماءِ فسروا الأزلامَ في قولهِ تعالى: " وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ " [المائدة: 3] بـ " الشطرنج "، وقد نقل هذا القولَ الطبريُّ في " جامع البيان " (9/ 511) فقال: " قَالَ أَبُو جَعْفَر: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْن وَكِيع: هُوَ الشِّطْرَنْج.
قال المحدثُ أحمدُ شاكر تعليقاً على ذلك في تفسير الطبري: هذا قولٌ في غايةِ الغرابةِ!! كأنهُ كان يجهلُ ما الشطرنج = أو كأنه كان يرى أنهم يفعلون ذلك بقطع الشطرنج، دون أن يكونَ هذا الفعلُ هو اللعبُ بالشطرنجِ.ا. هـ.
هل يثبتُ حديثٌ عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم في الشطرنجِ؟
جاءت أحاديث مرفوعة عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم في الترهيبِ من لعبِ الشطرنجِ.
1 - عن واثلةَ بنِ الأسقعِ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " إن للّهِ عز وجل في كلِ يومٍ ثلاثَ مئة وستين نظرةً، لا ينظرُ فيها إلى صاحب الشاهِ " - يعني الشطرنج -.
أورده العلامة الألباني – رحمه الله - في " الضعيفة " (4048).
2 - عن أبي هريرة، قال: مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه الكوبةُ؟ ألم أنه عنها؟! لعن اللّه من يلعب بها.
أورده العقيلي في " الضعفاء " (4/ 261)، وابن حبان في " المجروحين " (2/ 365) عند ترجمة مُطَهَّر بن الهيثم.
قال العقيلي: وشبل، وعبد الرحمن مجهولان.ا. هـ.
وقال ابن حبان: شيخٌ يروي عن موسى بن علي بن رباح، روى عنه أبو همام الوليد بن شجاع، منكرُ الحديثِ، يأتي عن موسى بن علي بما لا يتابعُ عليه، وعن غيرهِ من الثقاتِ ما لا يشبه حديث الأثبات.ا. هـ.
وأورد له هذا الخبر بلفظ: ما هذه الكُرْبَةُ؟ وليس الكوبة.
3 – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون الأزلام: الشطرنج و النرد و ما كان من اللهو، فلا تسلموا عليهم، فإن سلموا عليكم فلا تردوا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا و أكبو عليها، جاء إبليس أخزاه الله بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب رجل يصرف بصره عن الشطرنج لكز في ثغره، و جاءت الملائكة من وراء ذلك فأحدقوا بهم، و لم يدنو منهم، فما يزالون يلعنونهم حتى يتفرقوا عنها حين يتفرقوا عنها حين يتفرقون كالكلاب اجتمعت على جيفة، فأكلت منها، حتى ملأت بطونها ثم تفرقت.
أورد العلامة الألباني – رحمه الله – في " الضعيفة " (1146) وقال: موضوع.
4 – عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من لعب بالشطرنج.
وفي لفظ عن حبة بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من لعب بالشطرنج، والناظر إليها كآكل لحم الخنزير.
أوردهما العلامة الألباني – رحمه الله – في " الضعيفة " (1145) وقال: موضوع.
5 - عن أنس " من لعب بالشطرنج فقد قارف شركا ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ".
أورده الفَتّنِي في " تذكرة الموضوعات " وقال: فيه أبو عصمة الكذاب.ا. هـ.
6 - " من لعب بالشطرنج، والنردشير، فكأنما غمس يده في دم خنزير ".
¥