تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت، بل يفسدها شوائب الرياء وكدورات التقصير "

قال ابن جماعة:

" وليتذكر بإعداد الزاد وضرورته إليه أن ضرورته إلى زاد سفر الآخرة أشد، فالاهتمام به أحق، لأن سفر الآخرة أطول، والتحصيل فيه مأيوس منه، بخلاف سفر الدنيا، ولذلك نبه الله ـ عز وجل ـ عليه عند الأمر بالتزود، فقال: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) لأنها زاد سفر الآخرة، وكلما طالبتك نفسك بالاهتمام بكثرة الزاد فخذها بتكثير زاد سفر الآخرة "

فضل من آثر أهل فاقة بنفقته

ـ عن سفيان بن عيينة قال: نظرت في أمره ـ يعني ابن المبارك ـ وأمر الصحابة فما رأيتهم يفضلون عليه إلا في صحبتهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وقال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثله، وما أعلم خصلة من الخير إلا وقد جعلها الله في ابن المبارك، ولقد حدثنى أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة، فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم.

وقدم مرة الرقة وبها هارون الرشيد، فلما دخلها احتفل الناس به وازدحم الناس حوله، فأشرفت أم ولد للرشيد من قصر هناك فقالت: ما للناس؟ فقيل: لها قدم رجل من علماء خراسان، يقال له عبد الله بن المبارك، فانجفل الناس إليه، فقالت المرأة: هذا هو الملك لا ملك هارون الرشيد الذي يجمع الناس عليه بالسوط والعصا والرغبة والرهبة.

وخرج مرة إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم فأمر بإلقائه على مزبلة هناك، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة، إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، ثم لفته، ثم أسرعت به إلى الدار، فجاء فسألها عن أمرها وأخذها الميتة، فقالت: أنا وأخي هنا ليس لنا شئ إلا هذا الإزار، وليس لنا قوت إلا ما يلقى على هذه المزبلة، وقد حلت لنا الميتة منذ أيام، وكان أبونا له مال فظلم وأخذ ماله وقتل، فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرو وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع.

وكان إذا عزم على الحج يقول لأصحابه: من عزم منكم في هذا العام على الحج فليأتي بنفقته، حتى أكون أنا أنفق عليه، فكان يأخذ منهم نفقاتهم، ويكتب على كل صرة اسم صاحبها، ويجمها في صندوق، ثم يخرج بهم في أوسع ما يكون من النفقات والركوب وحسن الخلق والتيسير عليهم، فإذا قضوا حجتهم فيقول لهم: هل أوصاكم أهلوكم بهدية؟ فيشترى لكل واحد منهم ما وصاه أهله من الهدايا المكية واليمنية وغيرها، فإذا جاؤا إلى المدينة، اشترى لهم منها الهدايا المدنية، فإذا رجعوا إلى بلادهم، بعث من أثناء الطريق إلى بيوتهم فأصلحت وبيضت أبوابها ورمم شعثها، فإذا وصلوا إلى البلد، عمل وليمة بعد قدومهم ودعاهم فأكلوا وكساهم، ثم دعا بذلك الصندوق ففتحه وأخرج منه تلك الصرر، ثم يقسم عليهم أن يأخذ كل واحد نفقته التي عليها اسمه، فيأخذونها وينصرفون إلى منازلهم وهم شاكرون ناشرون لواء الثناء الجميل، وكانت سفرته تحمل على بعير وحدها، وفيها من أنواع المأكول من اللحم والدجاج والحلوى وغير ذلك، ثم يطعم الناس وهو الدهر صائم في الحر الشديد، وسأله مرة سائل فأعطاه درهما، فقال له بعض أصحابه: إن هؤلاء يأكلون الشواء والفالوذج، وقد كان يكفيه قطعة، فقال: والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز، فأما إذا كان يأكل الفالوذج والشواء فإنه لا يكفيه درهم، ثم أمر بعض غلمانه فقال: رده وادفع إليه عشرة دراهم "

ـ قال عبد الله بن المبارك:

" رأيت زبيدة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقالت غفر لي في أول معول ضرب في طريق مكة "

اختيار الرفقة الصالحة

قال ابن الجوزي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير