فقال: أحدثك، كنا سبعة أنفس من بلدان شتى، ترافقنا وغزونا أرض العدو. فاستؤسرنا كلنا. فاعتزل بنا بطريق إلى موضع ليضرب رقابنا، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتوحة في السماء، عليها سبع جوار من الحور العين، على كل باب جارية. فقدم رجل منا فضربت عنقه. فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق الستة وبقيت أنا وبقي باب واحد فلما قدمت لتضرب رقبتي استوهبني بعض رجاله فوهبني له. فسمعتها وهي تقول: أي شيء فاتك يا محروم؟ وأغلقت الباب. فأنا يا أخي متحسر على ما فاتني.
قال قاسم الجوعي: أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا وترك يعمل على الشوق. "
امرأة تعاتب نفسها في الطواف:
ـ عن مالك بن دينار قال:
" بينما أنا أطوف بالبيت إذا أنا بجويرية متعبدة، فإذا هي تقول: يا رب كم شهوة قد ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب ما كان لك عقوبة ولا أدب إلا النار؟!!
قال: فوالله ما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر.
قال مالك: فوضعت يدي على رأسي ثم صرخت وجعلت أقول: ثكلت مالكا أمه وعدمته، جويرية منذ الليلة قد بطلته. "
ـ عن محمد بن يزيد بن حبيش قال:
" قال وهيب بن الورد: بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول: يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات، يا رب سبحانك، وعزتك إنك لأرحم الراحمين.
يا رب مالك عقوبة إلا النار؟!!
فقالت صاحبة لها كانت معها: يا أخية دخلت بيت ربك اليوم؟ قالت: والله ما أرى هاتين القدمين، وأشارت إلى قدميها، أهلا للطواف حول بيت ربي، فكيف أراهما أهلا أطأ بهما بيت ربي؟ وقد علمت حيث مشتا وإلى أين مشتا؟ "
وأخرى تستجدي ربها:
ـ عن الحسن قال:
" رأيت بدوية دخلت الطواف فقالت: يا حسن الصحبة، جئتك من بعيد، أقبلت أسألك سترك الذي لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح "
ـ عن إبراهيم بن مسلم المخزومي قال:
" وقفت امرأة متعبدة في جوف الليل فتعلقت بأستار الكعبة: ثم بكت وقالت: يا كريم الصحبة، ويا حسن المعونة، أتيتك من شقة بعيدة متعرضة لمعروفك الذي وسع خلقك، فأنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف من سواك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. قال: ثم صرخت صرخة سقطت لوجهها فحملت مغشيا عليها "
وأخرى تبتهل وتطلب:
ـ عن سعيد الأزرق الباهلي أنه قال:
" دخلت الطواف ليلا، فبينا أنا أطوف وإذا بامرأة في الحجر ملتزمة للبيت قد علا نشيجها، فدنوت منها وهي تقول: يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الأوهام والظنون، ولا تغيره الحوادث ولا يصفه الواصفون، يا عالما بمثاقيل الجبال، ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، لا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضا، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، أسألك أن تجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك، وخير ساعاتي مفارقة الأحياء من دار الفناء إلى دار البقاء التي تكرم فيها من أحببت من أوليائك، وتهين فيها من أبغضت من أعدائك أسألك إلهي عافية جامعة لخير الدنيا والآخرة منا منك علي وتطولا يا ذا الجلال والإكرام. ثم صرخت وغشي عليها. "
وأخرى تتلذذ بمناجاته:
ـ عن حمد بن زيد قال:
" سمعت ذا النون يقول: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام فبينما أنا في الطواف إذ أنا بشخص متعلق بأستار الكعبة يبكي ويقول في بكائه: كتمت بلائي من غيرك، وبحت بسري إليك، واشتغلت بك عمن سواك، عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك؟ ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك؟
ثم أقبل على نفسه فقال: أمهلك فما ارعويت، وستر عليك فما استحييت، وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت،
ثم قال: عزيزي ما لي إذا قمت بين يديك ألقيت علي النعاس ومنعتني حلاوة الخدمة؟ لم قرة عيني لمه؟ ثم أنشأ يقول:
روعت قلبي بالفراق فلم أجد شيئا أمر من الفراق وأوجعا
حسب الفراق بأن يفرق بيننا ولطالما قد كنت منه مفزعا
قال: فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفيا فلما أحس بي تجلل بخمار كان عليه ثم قال: يا ذا النون غض بصرك فإني حرام. فعلمت أنها امرأة فقلت: والله قد شغلني قولك عن كثير مما كنت فيه. فقالت: ولم عافاك الله؟ أما علمت أن لله عبادا لا يشغلهم سواه ولا يميلون إلى ذكر غيره. "
ـ عن أبي عبد الملك قال:
¥