" وعن صالح المري: أنه كان يطوف بالبيت، فسمع أعرابيا يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: إلهي إن استغفاري إياك مع إصراري على كثرة ذنوبي للؤم، وإن ترك استغفاري على سعة رحمتك لعجز، إلهي كم تتقرب إلي بالنعم على غناك عني، وكم أتباعد عنك بالمعاصي على فقري إليك، فيا من إذا وعد وفى، وإذا توعد عفى، أدخل عظيم جرمي في سعة رحمتك، إنك أنت الوهاب.
قال صالح: فوالله ما سمعت في حجتي تلك أبلغ من الأعرابي "
طائف يشكو فقره وفاقته لربه فيستجيب له.
ـ قال ابن جماعة:
" وقال الأوزاعي: رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة، وهو يقول:
يارب إني فقير كما ترى وصبيتي قد عروا كما ترى
وناقتي قد عجفت كما ترى وبردتي قد بليت كما ترى
فما ترى فيما ترى يا من يرى ولا يرى؟!!
فإذا بصوت من خلفه:
يا عاصم إلحق عمك قد هلك بالطائف، وخلف ألف نعجة وثلاثمائة ناقة، وأربعمائة دينار، وأربعة أعبد، وثلاثة أسياف يمانية، فامض فخذها، فليس له وارث غيرك.
قال الأوزاعي: فقلت له: يا عاصم إن الذي دعوته لقد كان منك قريبا.
فقال: يا هذا، أما سمعت قول الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) "
سبحانه لا يدعو إلى بيته إلا من يحب.
ـ قال ابن جماعة:
" وقال علي بن الموفق: طفت بالبيت ليلة وصليت ركعتين بالحجر، واستندت إلى جدار الحجر أبكي وأقول:
كم أحضر هذا البيت الشريف ولا أزداد في نفسي خيرا، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذ هتف بي هاتف: يا علي سمعنا مقالتك، أو تدعو إلى بيتك من لا تحبه؟!! "
الطائف في جوار الله وهو نعم الجار.
ـ قال ابن جماعة:
" وتعلق رجل بأستار الكعبة وأنشد:
ستور بيتك ذيل الأمن منك وقد علقتها مستجيرا أيها الباري
وما أظنك لما أن علقت بها خوفا من النار تدنيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا حجوا إليه وقد أوصيت بالجار "
طائف يجادل الحجاج بن يوسف ويسكته.
ـ قال ابن الجوزي:
" عن علي بن زيد قال: قال طاووس بينما أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلى جنبه وأتكأني على وسادة إذ سمع ملبيا يلبي حول البيت رافعا صوته بالتلبية، فقال: علي بالرجل. فأتي به. فقال: ممن الرجل؟
فقال: من المسلمين.
قال: ليس عن الإسلام سألت.
قال: فعم سألت؟
قال: سألتك عن البلد.
قال: من أهل اليمن؟
قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ يريد أخاه.
قال: تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا.
قال: ليس عن هذا سألتك.
قال: فعم سألت.
قال: سألتك عن سيرته.
فقال: تركته ظلوما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق.
فقال له الحجاج: ما حملك أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني.
قال الرجل: أتراه بمكانة منك أعز بمكاني من الله ـ عز وجل ـ وأنا وافد بيته ومصدق نبيه وقاضي دينه؟
قال: فسكت الحجاج فما أحار جوابا. وقام الرجل من غير أن يؤذن له فانصرف.
قال طاووس: وقمت في أثره، وقلت: الرجل الحكيم.
فأتى البيت فتعلق بأستاره ثم قال: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ. اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك والرضا بضمانك، مندوحة عن منع الباخلين وغنى عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة.
ثم ذهب في الناس فرأيته عشية عرفة وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول مني. ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمع يقول: واسوأتاه، والله منك وإن عفوت، يردد ذلك. "
طائف يعاتب نفسه على التقصير.
ـ قال ابن الجوزي:
" عن عمار بن عثمان قال:
سمعت هدابا يقول: رأيت رجلا يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول في بكائه:
تمن على ذي العرش ما شئت إنه غني كريم لا يخيب سائلا
قال: ثم شهق شهقة حتى ظننت أن نفسه ستخرج.
قال: فقلت له: ما شأنك رحمك الله؟ قال أعظم الشأن شأني، إني ندبت إلى أمر فقصرت عنه. قال: ثم غشي عليه. "
الحذر من المعصية في الطواف
عقاب فوري للعصاة في الطواف.
ـ قال ابن جماعة:
" وينبغي للطائف أن يستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته، فيلزم الأدب في ظاهره وباطنه، وليحذر من الإساءة في ذلك المحل الشريف، فقد روي أن رجلا طاف بالبيت فبرق له ساعد امرأة، فوضع ساعده على ساعدها يتلذذ به، فلصق ساعدهما، فقال له بعض الصالحين:
¥