وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله، فإن صادف قلبه قد ازداد تجافيا عن دار الغرور، وانصرافا إلى دار الأنس بالله تعالى، ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع، فليثق بالقبول، فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه، ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله.
فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول، وإن كان الأمر الآخر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره العناء والتعب، نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك "
استقبال الحاج
ـ عن الحسن قال:
" إذا خرج الحاج فشيعوهم وزودوهم الدعاء، وإذا قفلوا فالتقوهم وصافحوهم قبل أن يخالطوا الذنوب "
ـ قال ابن عباس:
" لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم من الحق، لأتوهم حتى يقبلوا رواحلهم "
ـ قال الغزالي:
" وقد كان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة، وأن يستقبلوا الحاج، ويقبلوا بين أعينهم، ويسألوهم الدعاء، ويبادرون ذلك قبل أن يتدنسوا بالآثام "
فضل الموت في الحج
1 ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
" من خرج حاجا فمات، كتب الله له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات، كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات، كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة "
2 ـ عن بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
" بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته فوقصته (أو قال فأوقصته) قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "
وفي رواية لهما:
" أن رجلا كان مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "
وفي رواية لمسلم:
" فأمرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يغسلوه بماء وسدر، وأن يكشفوا وجهه (حسبته قال: ورأسه) فإنه يبعث وهو يهل "
ـ قال جمال الدين بن محب الدين الطبري:
" فيا له من سبب نقل المتلبس به إلى الآخرة بصفته، ويا له من قصد أسفر ليل المجاز فيه عن صبح حقيقته، ويا له من شعث أسرع به إلى نعيم الجنة، ويا لها من هيئة لقي الله فيها حاسرا مضطبعا:
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم التزاور في الثوب الذي خلعا
وأفخر الفخر أن تأتيه ذا شعث ملبيا إن رأى أرضاه أو سمعا "
3 ـ عن أبي هانئ الخولاني، أن عمرو بن مالك الجبني أخبره: أنه سمع فضالة بن عبيد يحدث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة. قال حيوة يقول: رباط أو حج أو نحو ذلك "
فضل الموت بعد الحج
ـ عن أنس قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته "
ـ عن محمد بن جحادة، عن طلحة اليامي قال: سمعته يقول: " كنا نتحدث أنه من ختم له بإحدى ثلاث (إما قال وجبت له الجنة وإما قال برئ من النار) من صام شهر رمضان فإذا انقضى الشهر مات، ومن خرج حاجا فإذا قدم من حجته مات، ومن خرج معتمرا فإذا قدم من عمرته مات "
مختصر أحكام الحج والعمرة من كتاب التحقيق والإيضاح للعلامة الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ
فيما يفعله الحاج
عند وصوله إلى الميقات
فإذا وصل إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين، عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كنت أطيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "، وأمر – صلى الله عليه وسلم – عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج، وأمر – صلى الله عليه وسلم – أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت، كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عائشة وأسماء بذلك.
¥