وأما ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو منسوخ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، كما قد علم في علمي أصول الحديث والفقه، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، ولو كان ذلك واجباً لبينه – صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم.
ويجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين.
ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه، لعدم الدليل المقتضي للمنع.
ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه.
ويحرم على المرأة المحرمة أن تلبس مخيطاً لوجهها، كالبرقع والنقاب، أو ليديها، كالقفازين؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم –:" لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري. والقفازان: هما ما يخاط أو ينسج من الصوف أو القطن أو غيرهما على قدر اليدين.
ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك؛ كالقميص والسراويل، والخفين، والجوارب ونحو ذلك.
وكذلك يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:" كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ". أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وأخرج الدارقطني من حديث أم سلمة مثله، كذلك لا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره، ويجب عليها تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب؛ لأنها عورة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)، ولا ريب أن الوجه والكفين من أعظم الزينة، والوجه في ذلك أشد وأعظم، وقال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها فلا أصل له في الشرع فيما نعلم، ولو كان ذلك مشروعاً لبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأمته ولم يجز له السكوت عنه.
ويجوز للمحرم من الرجال والنساء غسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ أو نحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها.
ولا يجوز له لبس شيء من الثياب مسه الزعفران أو الورس؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال؛ لقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". والرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل، والفسوق: المعاصي، والجدل: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا باس به، بل هو مأمور به؛ لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
ويحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق؛ كالطاقية، والغترة، والعمامة أو نحو ذلك، وهكذا وجهه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة ومات: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا باس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة.
ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان – رضي الله عنه -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " رواه مسلم.
¥