وإن حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر، فإذا طهرت طافت وسعت وقَصَّرَت من رأسها وتمت عمرتها بذلك، فإن لم تطهر قبل يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه، وخرجت مع الناس إلى منى، وتصير بذلك قارنة بين الحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة، وعند المشعر، ورمي الجمار، والمبيت بمزدلفة ومنى، ونحر الهدي، والتقصير، فإذا طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، طوافاً واحداً وسعياً واحداً، وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً؛ لحديث عائشة أنها حاضت بعد إحرامها بالعمرة، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم –:" افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" متفق عليه.
وإذا رمت الحائض أو النفساء الجمرة يوم النحر وقصرت من شعرها حل لها كل شيء حرم عليها بالإحرام، كالطيب ونحوه، إلا الزوج حتى تكمل حجها كغيرها من النساء الطاهرات، فإذا طافت وسعت بعد الطهر حل لها زوجها.
في حكم الإحرام بالحج يوم الثامن
من ذي الحجة والخروج إلى منى
فإذا كان يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة استحب للمحلين بمكة ومن أراد الحج من أهلها الإحرام بالحج من مساكنهم؛ لأن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أقاموا بالأبطح وأحرموا بالحج منه يوم التروية عن أمره – صلى الله عليه وسلم -، ولم يأمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا عنده أو عند الميزاب وكذا لم يأمرهم بطواف الوداع عند خروجهم إلى منى ولو كان ذلك مشروعاً لعلَّمهم إياه، والخير كله في اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه رضي الله عنهم.
ويستحب أن يغتسل ويتنظف ويتطيب عند إحرامه بالحج، كما يفعل ذلك عند إحرامه من الميقات. وبعد إحرامهم بالحج يسن لهم التوجه إلى منى قبل الزوال أو بعده من يوم التروية، ويكثروا من التلبية إلى أن يرموا جمرة العقبة، ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، والسنة أن يصلوا كل صلاة في وقتها قصراً بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران.
ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصراً، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجباً عليهم لبينه لهم.
ثم بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه الحاج من منى إلى عرفة، ويسن أن ينزلوا بنمرة إلى الزوال، إن تيسر ذلك؛ لفعله – صلى الله عليه وسلم -.
فإذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال، يبين فيها ما يشرع للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال، ويحذرهم من محارمه، يوصيهم فيها بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، والحكم بهما، والتحاكم إليهما في كل الأمور؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك كله، وبعدها يصلون الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين؛ لفعله – صلى الله عليه وسلم -، رواه مسلم من حديث جابر – رضي الله عنه -.
ثم يقف الناس بعرفة، وعرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنَةَ، ويستحب استقبال القبلة وجبل الرحمة إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة وإن لم يستقبل الجبل، ويستحب للحاج في هذا الموقف أن يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء، وإن لبى أو قرأ شيئاً من القرآن فحسن،
ويستحب في هذا الموقف العظيم أن يلح في الدعاء ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دعا كرر الدعاء ثلاثاً، فينبغي التأسي به في ذلك عليه الصلاة والسلام، ولتراجع الأدعية في آخر الكتاب.
¥