تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويكون المسلم في هذا الموقف مخبتاً لربه سبحانه، متواضعاً له، خاضعاً لجنابه، منكسراً بين يديه، يرجو رحمته ومغفرته، ويخاف عذابه ومقته، ويحاسب نفسه، ويجدد توبة نصوحاً؛ لأن هذا يوم عظيم ومجمع كبير، يجود الله فيه على عباده، ويباهي بهم ملائكته، ويكثر فيه العتق من النار، وما يرى الشيطان في يوم هو فيه أدحر ولا أصغر ولا أحقر منه في يوم عرفة إلا ما رؤى يوم بدر؛ وذلك لما يرى من جود الله على عباده وإحسانه إليهم وكثرة إعتاقه ومغفرته. وفي صحيح مسلم، عن عائشة – رضي الله عنها -، أن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ".

فينبغي للمسلمين أن يروا الله من أنفسهم خيراً، وأن يهينوا عدوهم الشيطان، ويحزنوه بكثرة الذكر والدعاء وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا، ولا يزال الحجاج في هذا الموقف مشتغلين بالذكر والدعاء والتضرع إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت انصرفوا إلى مزدلفة بسكينة ووقار وأكثروا من التلبية وأسرعوا في المُتَّسع؛ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز الانصراف قبل الغروب؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقف حتى غربت الشمس، وقال: "خذوا عني مناسككم".

فإذا وصلوا إلى مزدلفة صلَّوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعاً بأذان وإقامتين من حين وصولها؛ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، سواء وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء.

وما يفعله بعض العامة من لقط حصى الجمار من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل الصلاة، واعتقاد كثير منهم أن ذلك مشروع فهو غلط لا أصل له، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر أن يلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر إلى منى ومن أي موضع لقط الحصى أجزأه ذلك ولا يتعين لقطه من مزدلفة، بل يجوز لقطه من منى، والسُّنَّة التقاط سبع في هذا اليوم يرمي بها جمرة العقبة؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم، أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث.

ولا يستحب غسل الحصى، بل يرمى بها من غير غسيل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، ولا يرمى بحصى قد رمي به.

ويبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة، ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم أن يدفعوا إلى منى آخر الليل؛ لحديث عائشة وأم سلمة وغيرهما. وأما غيرهم من الحجاج فيتأكد في حقهم أن يقيموا بها إلى أن يُصلُّوا الفجر، ثم يقفوا عند المشعر الحرام فيستقبلوا القبلة ويكثروا من ذكر الله وتكبيره والدعاء إلى أن يسفروا جداً. ويستحب رفع اليدين هنا حال الدعاء، وحيثما وقفوا من مزدلفة أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم القرب من المشعر ولا صعوده؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -:" وقفت هاهنا – يعني: على المشعر – وجمع كلها موقف" رواه مسلم في صحيحه، وجمع: هي مزدلفة.

فإذا أسفروا جداً انصرفوا إلى منى قبل طلوع الشمس، وأكثروا من التلبية في سيرهم، فإذا وصلوا مُحَسِّراً استحب الإسراع قليلاً.

فإذا وصلوا منى قطعوا التلبية عند جمرة العقبة، ثم رموها من حين وصولهم بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده عند رمي كل حصاة ويُكَبِّر، ويستحب أن يرميها من بطن الوادي، ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم، وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى، ولا يشترط بقاء الحصى في المرمى وإنما المشترط وقوعها فيه، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم، وممن صرح بذلك: النووي – رحمه الله – في (شرح المهذب)، ويكون حصى الجمار مثل حصى الخذف، وهو أكبر من الحُمُّص قليلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير