تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إنه في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى واللام تقتضي الاختصاص فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت أو عيد يوم الأحد خالفنا هذا الحديث.

وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي إذ لا فرق.

وأما الإجماع والآثار فمن وجوه:

أحدها: ما قدمت التنبيه عليه من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم والمقتضي لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس ثم لم يكن على عقد السابقين من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك وإلا لوقع ذلك كثيراً إذ الفعل مع وجود مقتضيه وعدم منافيه واقع لا محالة والمقتضي واقع فعلم وجود المانع والمانع هنا هو الدين فعلم أن الدين دين الإسلام، هو المانع من الموافقة وهو المطلوب.

الثاني: أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن: أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام.

فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها؟

الثالث: روى البيهقي في باب كراهة الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم".

وروى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".

فهذا عمر رضي الله عنه نهى عن تعلم لسانهم وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم فكيف بفعل بعض أفعالهم أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم؟

أليست موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟ أوليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم؟

وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟

وأما عبد الله بن عمرو فصرح أنه (من بنى ببلادهم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم) وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول ظاهر لفظه فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية.

ثم نقل شيخ الإسلام نصوصاً عن الإمام أحمد رحمه الله في المنع من شهود أعياد النصارى واليهود ومثله عن القاضي أبي يعلى وأبي الحسن الآمدي والخلال.

ثم قال: "وأما الاعتبار في مسألة العيد فمن وجوه:

أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67] كالقبلة والصلاة والصيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر.

بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ومن أظهر مالها من الشعائر فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه.

وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا».

وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم لأن تلك علامة وضعية ليست من الدين وإنما الغرض بها مجرد التمييز بين المسلم والكافر.

وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.

الوجه الثاني: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله لأنه: إما محدث مبتدع، وإما منسوخ وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس.

هذا إذا كان المفعول مما يتدين به وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع لذلك العيد الديني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير