والجواب: إن هذا الذي ذكرتموه من الاحتفالات أو الذكريات المتكررة في الأعوام أو الشهور أو غير ذلك هو معنى العيد.
إذ العيد كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هو: (اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو نحو ذلك.
وقال: (فالعيد يجمع أموراً: منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ومنها اجتماع فيه ومنها: أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات).
فيقال للمحتفلين بالمولد النبوي والإسراء والمعراج ونحو ذلك ألستم تجتمعون في كل عام لهذا الغرض وتحتفلون به وتعملون لذلك برنامجاً خاصاً وتقيمون لذلك عادة ولائم خاصة بهذه المناسبة؟
ويقال للمحتفلين بالأعياد المدنية أو الوطنية أو اليوبيل ألستم تفعلون نحو ذلك؟
فهذا هو العيد سواء سميتموه به أو بغيره فالعبرة بالحقائق والمسميات.
وقد رأينا من يجاهر بالزنا ويسميه فناً يعانق الرجل المرأة على مرأى من الخلق ويفعل معها ما يفعله الرجل مع حليلته ويجاهر آخرون بالربا ويسمونه فوائد وعمولات ويجاهر آخرون بالشرك ويسمونه بغير اسمه وهكذا فهل غيّر ذلك من حقيقتها وحكمها؟
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها».
تنبيه:
هناك فرق بين هذا الاحتفال الذي يعود ويتكرر وبين أن تحدث نعمة للمرء فيفرح لها ويصنع وليمة يدعو لها الناس فإن هذا ليس عيداً، بل هو من المباحات، ما لم يشتمل على شيء من الأمور التي تخرجه إلى المكروه أو المحرم.
ولو قدر أن هذا الشخص أعاد الاحتفال بمناسبة تلك النعمة أعواماً أخرى فإن هذا يصيره عيداً ويدخله في حكم المحدثات من الأعياد والاحتفالات.
وليس ذلك مختصاً بالنعم بل حتى الذي يفعله بعض الناس من الاحتفال بذكرى الأحزان فيجتمعون لذلك بمناسبة مرور عام أو أكثر كما يفعل هذا بعض المسلمين في فلسطين في تظاهراتهم بمناسبة ذكرى الاحتلال فهو داخل في مسمى العيد وفيه تشبه بالكفار وإن لم يصحبه فرح وولائم ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد عادة.
شبهة أخرى
وقد يقول بعض المخالفين، إن هذه الاحتفالات بمناسبة ولادة ذلك المعظم، من نبي، أو صالح، أو ملك، أو غيرهم، أو بمناسبة إنشاء كلية، أو مصنع، أو غيره، لا يقصد فيها التشبه، بل هي من العادات التي الأصل فيها الحل.
والجواب من وجوه:
الأول: أن هذه الاحتفالات المذكورة وما شابهها مأخوذة من الكفار إما من الكتابيين أو من غيرهم كما يعلم بالاستقراء.
فالاحتفال بالمناسبات الدينية أصله مأخوذ من النصارى واليهود فقد أحدثوا من ذلك الشيء الكثير فمن أعياد النصارى المشهورة: عيد مولد المسيح ورأس السنة الميلادية و "المائدة" إحياء لذكرى المائدة المنزلة من السماء، والجامع لهذه الأعياد هو: الذكرى بمناسبة دينية.
و "اليوبيل" عيد مأخوذ من اليهود وهو "عيد نزول الوصايا العشر على موسى عليه السلام فوق جبل سيناء).
ومثل ذلك الأعياد المدنية فهي من سنن اليهود والنصارى ومنها عيد الثورة وعيد العمال وعيد الأم وعيد البنوك وعيد المرأة ويوم الشجرة وأسبوع النظافة ويوم الصحة العالمية ويوم الطفل… الخ.
وإن قدر أن هناك عيداً أحدثه المسلمون، لم يسبقهم إلى إحداثه الكفار، فإن هذا لا ينفي التشبه بهم لأن إحداث الأعياد إحياءً لذكرى معينة فرحاً بها أو حزناً عليها هو من سنن اليهود والنصارى يدلك على ذلك ما رواه البخاري ومسلم (أن يهودياً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال فأي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] …).
الوجه الثاني: أن التشبه بهم لا يشترط فيه أن يقصد إلى الفعل من أجل أنهم فعلوه بل يكفي أن يكون هذا الأمر مما اختصوا به وهو مأخوذ عنهم.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير.
فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظر.
¥