(قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مَعَ زَوْجِهَا حَاجَّةً مِنْ مِصْرَ فَلَمَّا بَلَغَتْ الْمَدِينَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا , أَتَنْفُذُ لِوَجْهِهَا أَوْ تَرْجِعُ إلَى مِصْرَ , وَهَذَا كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ أَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَتْ؟ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ تُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمَّا بَلَغَتْ إفْرِيقِيَّةَ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا فَأَرَى أَنْ تَنْفُذَ لِحَجِّهَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَبَاعَدَتْ مِنْ بِلَادِهَا , فَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ هُوَ مِثْلُ هَذَا قُلْتُ لَهُ: فَالطَّلَاقُ وَالْمَوْتُ فِي مِثْلِ هَذَا سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ سَوَاءٌ عِنْدِي. سَحْنُونٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: حَجَّتْ مَعَنَا امْرَأَةٌ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُوفِيَ عِدَّتَهَا , فَلَمَّا بَلَغَتْ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَتْ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ: إنِّي حَجَجْتُ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ عِدَّتِي فَقَالَ لَهَا: لَوْلَا أَنَّكِ قَدْ بَلَغْتِ هَذَا الْمَكَانَ لَأَمَرْتُكِ أَنْ تَرْجِعِي قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ تَكُنْ تَمْضِي فِي الْمَسِيرِ فِي حَجِّهَا إلَّا مَسِيرَةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهَلَكَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا , أَتَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْ حَجِّهَا وَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ أَمْرًا قَرِيبًا وَهِيَ تَجِدُ ثِقَاتٍ تَرْجِعُ مَعَهُمْ , رَأَيْتُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا وَتَعْتَدُّ فِيهِ , فَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ وَسَارَتْ مَضَتْ عَلَى حَجِّهَا سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ طَلُقَتْ وَهِيَ حَاجَّةٌ قَالَ: تَعْتَدُّ وَهِيَ فِي سَفَرِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ مَالِكٍ: فِي اللَّائِي رَدَّهُنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ الْبَيْدَاءِ إنَّمَا هُنَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا , قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَكَيْفَ تَرَى فِي رَدِّهِنَّ؟ قَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يُحْرِمْنَ فَأَرَى أَنْ يَرْدُدْنَ , فَإِذَا أَحْرَمْنَ فَأَرَى أَنْ يَمْضِينَ لِوَجْهِهِنَّ وَبِئْسَ مَا صَنَعْنَ , وَأَمَّا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ مِصْرَ فَهَلَكَ زَوْجُهَا بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ تُحْرِمْ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ تَنْفُذُ لِحَجِّهَا وَإِنْ لَمْ تُحْرِمْ).
وأما العلامة ابن قدامة - رحمه الله - فقد توسع أكثر في بيان المسألة ... فقال في المغني:
((6404) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا خَرَجَتْ إلَى الْحَجِّ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا , وَهِيَ بِالْقُرْبِ , رَجَعَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ , فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَبَاعَدَتْ , مَضَتْ فِي سَفَرِهَا , فَإِنْ رَجَعَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا شَيْءٌ , أَتَتْ بِهِ فِي مَنْزِلِهَا) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ الْوَفَاةِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ , وَلَا إلَى غَيْرِهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , رضي الله عنهما. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَالْقَاسِمُ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ , وَالثَّوْرِيُّ. وَإِنْ خَرَجَتْ , فَمَاتَ زَوْجُهَا فِي الطَّرِيقِ , رَجَعَتْ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً ; لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ , وَإِنْ تَبَاعَدَتْ , مَضَتْ فِي سَفَرِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: تُرَدُّ مَا لَمْ تُحْرِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَعِيدَةَ لَا تُرَدُّ ; لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا , وَعَلَيْهَا مَشَقَّةٌ , وَلَا لَهَا مِنْ سَفَرٍ وَإِنْ رَجَعَتْ. قَالَ الْقَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ الْقَرِيبُ بِمَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ , وَالْبَعِيدُ مَا تُقْصَرُ فِيهِ ; لِأَنَّ مَا لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْحَضَرِ. وَهَذَا قَوْلُ
¥