قال تعالى: " فاعبد الله مخلصا له الدين أَلا لله الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" الزمر 3
قال ابن جرير (10/ 61): يقول تعالى ذكره: فاخشع لله يا محمد بالطاعة وأخلص له الألوهية وأفرده بالعبادة ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكا كما فعلت عبدة الأوثان.
وقال ابن كثير (4/ 59): أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد.
قلت: فلا يستحق الدين الخالص إلا الله سبحانه المنزه عن الواسطة.
فهل اكتفى القوم بهذه المنزلة؟
الجواب: لا طبعا. ودونك الدليل.
قال عبد القادر الجيلي ـ وفي النفس من نسبته شيء ولكن كثيرا من الصوفية على هذا، بل أكثر وأعظم ـ: من لم يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح أبدا.
ومثله عن عدي بن مسافر: لا تنتفع بشيخك إلا إذا كان اعتقادك فيه فوق كل اعتقاد. طبقات الشعراني (1/ 117)
قلت: ما حدود الكمال للشيوخ الصوفية، وما معنى فوق كل اعتقاد؟!
هل تجاوزوا الصحابة؟!
هل تجاوزا الأنبياء؟!
اقرأ وتأمل قول أبي يزيد البسطامي: خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله!!
وهل نفهم حدود الاعتقاد من القول الخطير لذي النون المصري: طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه؟!.تذكرة الأولياء (1/ 171)
فنحن أمام طاعة خاصة ومطالب قد تكون مغايرة لمطالب الشرع. فتنبه!!
فطاعة الشيخ بغير قيد من المسلمات الصوفية، بل نقل الإجماع!! على ذلك.
قال الفوتي عن محمد بن المختار الكنتي أنه قال: وقد انعقد إجماع مشايخ الصوفية على وجوب الاستسلام للشيخ والاطراح بين يديه كالغسيل بين يدي الغاسل. تقديس الأشخاص (1/ 360) وطبقات الشعراني (1/ 153/169)
وقال الشعراني: وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنيه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل، حتى لو قام أهل مصر في صعيد واحد لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه.
قال صالح المقبلي: فالصوفي ليس بمتبع للنبي صلى الله عليه وسلم بل لشيخه المخترع لتلك الوساوس. العلم الشامخ (250 ـ 251)
فإن قيل هذا الكلام وأمثاله يتأول على وفق الشرع.
قلت: هذا الاعتراض مدفوع وممنوع.
فأما الأول: فكلام القوم صريح يخالف الدين، والأصل إجراء الكلام على ظاهره، وقد تتابع العلماء سلفا وخلفا على رده ونقضه. انظر مصرع التصوف للبقاعي
وأما الثاني: فكثير من المتصوفة يمنعون تأويل كلام الشيوخ، وأن يصرف عن ظاهره، وإن كان خطأ. يقول يوسف العجمي: من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا بتأوله، وليفعل ما أمره شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ. الأنوار (2/ 36)
محبة الشيخ
قال الشعراني: سمعت أخي أفضل الدين يقول: حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل. الأنوار القدسية (1/ 169)
وفي نفس المصدر (1/ 181) قال علي وفا: فكما أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها.
قال تعالى: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله" الآية
قال أبو السعود في تفسيره (1/ 185): بيان لكمال ركاكة آراء المشركين إثر تقرير وحدانيته سبحانه وتحرير الآيات الباهرة الملجئة للعقلاء إلى الاعتراف بها الفائضة باستحالة أن يشاركه شئ من الموجودات في صفة من صفات الكمال فضلا عن المشاركة في صفة الألوهية.
قال ابن كثير في تفسيره (1/ 275): جعلوا له أندادا أي أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه وهو الله لا إله إلا هو ولا ضد له ولا ند له ولا شريك معه.
يقول الشعراني: فإن لم يتيسر للمريد صلاة الجمعة عند أستاذه، فليتخيله عنده في أي مسجد صلى فيه. الأنوار القدسية (1/ 188)
وفيه ـ أيضا ـ ويا ليتني لم أقرأه: المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام ولا حركة، ولا يقدر ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل ولا يخرج، ولا يخالط أحدا، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه. (1/ 189)
قلت ولله الأمر من قبل ومن بعد: يا عباد الله، يا من وهب الله لهم عقلا سليما .. بل حتى يا مجانين، هل سمعتم بهذا البلاء؟!
لا قرآن ولا ذكر إلا بإذن الشيخ، أ إله مع الله؟!
قال تعالى:" ولا تتبعوا من دونه أولياء" الأعراف 3
قال البغوي في تفسيره (2/ 148): أي لا تتخذوا غيره أولياء تطيعونه في معصية الله تعالى.
التصرف في الكون
قال الشعراني في طبقاته (2/ 88) في ترجمة شمس الدين محمد الحنفي: وقال له سيدي علي بن وفا: ما تقول في رجل رحى الوجود بيده يدورها كيف شاء؟ فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور؟.
وقال إبراهيم نياس:
قد خصني بالعلم والتصريف ...... إن قلت كن يكن بلا تسويف
لكنني اتخذته وكيلا ...... تأدبا واختارني خليلا
الرحلة الكناكرية (6) بواسطة تقديس الأشخاص (1/ 135)
قال الإمام القرافي: وقد وقع هذا لجماعة من جهلة الصوفية، ويقولون فلان أعطي كلمة كن، ويسألون أن يُعطوا كلمة كن، التي في قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون". ومقتضى هذا الطلب الشركة في الملك وهو كفر.
انظر الإعلام بقواطع الإسلام مطبوع مع الزواجر (390) لابن حجر الهيثمي
وأخيرا من الأمور التي يجب التنبيه عليها إطلاقهم لفظ "الأستاذ" على بعض الشيوخ، فليعلم أن هذا اصطلاح صوفي لهم فيه مقصد وهو ما يجب أن يعتقد فيه.
قال الشادلي: الأستاذ هو من كمل الدوائر وانطوى فيه علم الأوائل والأواخر، ويسمى بالعالم المطلق، فكل أستاذ شيخ ولا عكس. الطبقات (2/ 72)
قلت: أسأل الله تعال العفو والعافية، ولمن تلبس بهذه العقيدة من الصوفية أن يرده ردا جميلا، ويهديه إلى سواء الصراط. والحمد لله رب العلمين.