ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ , وَيَحْتَرِسُ حَسَبَ مَا يُمْكِنُهُ , وَيَفْعَلُ مَا ذُكِرَ. وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ جُرْحٌ يَفُورُ مِنْهُ الدَّمُ , أَوْ بِهِ رِيحٌ , أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْدَاثِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ قَطْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ , فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ , مِثْلُ مَنْ بِهِ جُرْحٌ لَا يُمْكِنُ شَدُّهُ , أَوْ بِهِ بَاسُورٌ أَوْ نَاصُورٌ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَصْبِهِ , صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ , كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ حِينَ طُعِنَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا. (487) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوُضُوءُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ , إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ , وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَرَبِيعَةَ. وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ , إلَّا أَنْ يُؤْذِيَهُ الْبَرْدُ , فَإِنْ آذَاهُ قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ضِيقٌ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِي حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: {فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي}. وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالْوُضُوءِ ; وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ , وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ ; لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ , وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَادٍ , وَلَنَا مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي {الْمُسْتَحَاضَةِ: تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ , وَتَصُومُ وَتُصَلِّي , وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد , وَالتِّرْمِذِيُّ , وَعَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ: {جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ خَبَرَهَا , ثُمَّ قَالَ: اغْتَسِلِي , ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد , وَالتِّرْمِذِيُّ , وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ , فَنَقَضَ الْوُضُوءَ , كَالْمَذْيِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا , فَإِنَّ طَهَارَةَ هَؤُلَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْوَقْتِ ; لِقَوْلِهِ: " تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ ". وَقَوْلِهِ: " ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ". وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ , فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ , كَالتَّيَمُّمِ.
(488) فَصْلٌ: فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ , وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ , بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ ; لِأَنَّ دُخُولَهُ يَخْرُجُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ , وَخُرُوجُ الْوَقْتِ مُبْطِلٌ لِهَذِهِ الطَّهَارَةِ , كَمَا قَرَّرْنَاهُ ; وَلِأَنَّ الْحَدَثَ مُبْطِلٌ لِلطَّهَارَةِ , وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ. وَإِنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ صَحَّ , وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ , وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ الْحَدَثِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهِ , أَوْ أَخَّرَهَا لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ , كَلُبْسِ الثِّيَابِ , وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ , أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ , جَازَ. وَإِنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ , فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا , الْجَوَازُ ; لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ أُرِيدَتْ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا , فَأَشْبَهَتْ التَّيَمُّمَ ; وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ , فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ , كَالتَّيَمُّمِ. وَالثَّانِي , لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّلَاةُ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ , وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ , أَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا سِوَى هَذَا الْخَارِجِ , بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ. قَالَ أَحْمَدُ , فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ: إنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ , فَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ النَّافِلَةَ وَالصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ , حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى , فَتَتَوَضَّأُ أَيْضًا. وَهَذَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهَا بِالتَّيَمُّمِ , فِي أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ , يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَوَّعَ بِهَا , وَتَقْضِيَ بِهَا الْفَوَائِتَ , وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ , مَا لَمْ تُحْدِثْ حَدَثًا آخَرَ , أَوْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ).
¥