وأيضًا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس. ومن ذكره فإنما يخبر به عن غيره تقليدًا وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلاً، فكيف يقدر الشارع لأمته حدًا لم يجر له ذكر في كلامه وهو مبعوث إلى جميع الناس، فلابد أن يكون مقدار السفر معلومًا علمًا عامًا،
ومن ذلك أيضاٌ أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة , ومزدلفة , في أيام منى , وكذلك أبوبكر وعمر من بعده , وكان يصلي خلفهم أهل مكة , ولم يأمرهم بإتمام الصلاة , فدل هذا على أن ذلك سفر , وبين مكة وعرفة بريد , وهو نصف يوم بسير الإبل والأقدام.
والحق أن السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , فالمرجع فيه إلى العرف , فما كان سفراُ في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم.
وتحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفاُ فراجعها , فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره.
كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح
467 - (من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتا في الجنة) موضوع.
واعلم أن كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح , وبعضه أشد ضعفاُ من بعض , وإنما صحت الصلاة في هذا الوقت من فعله صلى الله عليه وسلم دون تعيين عدد , وأما قوله صلى الله عليه وسلم , فكل ما روي عنه واه لا يجوز العمل به.
ومن هذا القبيل:
468 - (من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له بها ذنوب خمسين سنة) ضعيف جدا.
469 - (من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة) ضعيف جدا.
كتاب الزكاة
اللعنة لا تقوم مقام الصدقة
104 - (من لم يكن عنده صدقة , فليلعن اليهود) موضوع.
قال الشيخ علي القاري في هذا الحديث: (لا يصح) , يعني أنه موضوع.
ونقل "ص109" عن ابن القيم أن من علامات الحديث الموضوع أن يكون باطلاً في نفسه , فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام , ثم ساق أحاديث هذا منها , وقال: (فإن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبداً).
ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
463 - (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو غرب نصف العشر في قليله وكثيره) موضوع بهذه الزيادة (في قليله وكثيره).
ومما يدل على كذب هذا الحديث أن البخاري أخرجه في صحيحه من حديث ابن عمر دون قوله (في قليله وكثيره).
وكذلك رواه مسلم من حديث جابر , والترمذي من حديث أبي هريرة , وهو مخرج في الإرواء.
فهذه الزيادة باطلة دون شك أو ريب , ويزيدها بطلاناُ ما في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وهو مخرج في الإرواء أيضاُ.
وبهذا الحديث الصحيح أخذا الإمام محمد , خلافاُ لشيخه أبي حنيفة , كما صرح به في كتاب الآثار , والموطأ.
فهذا أيضاُ من آثار الأحاديث الضعيفة , إيجاب ما لم يوجبه الله على عباده , وعلى الرغم من هذا , فإننا لا نزال نسمع بعضهم يجهر بمثل هذا الإيجاب , أخذاُ بما تقتضيه المصلحة , كما زعموا.
كتاب الصيام
زكاة الفطر
43 - (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض , ولا يرفع إلى الله , إلا بزكاة الفطر) حديث ضعيف.
قال أحمد بن عيسى المقدسي في "فضائل جرير": (ومعناه لا يرفع إلى الله عز وجل بغفران مما جني فيه إلا بزكاة الفطر).
قلت أن الحديث لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج الفطر , فمن لم يخرجها لم يقبل صومه , ولا أعلم أحداً من أهل العلم يقول به , والتأويل الذي نقلته آنفاً عن المقدسي بعيد حداً عن ظاهر الحديث على التأويل فرع التصحيح , والحديث ليس بصحيح.
أقول هذا , وأنا أعلم أن بعض المفتين ينشر هذا الحديث على الناس كلما أتى شهر رمضان , وذلك من التساهل الذي كنا نطمع في أن يحذروا الناس منه , فضلاً عن أن يقعوا فيه هو أنفسهم.
فضل صيام يوم عاشوراء
285 - (ليس ليوم فضل على يوم في الصيام , إلا شهر رمضان , ويوم عاشوراء) منكر.
¥