نقول هذا بياناُ لحقيقة هذا الحديث , ولكي لا يغتر به جاهل , فيحرم به صيام يوم عرفة على الحاج , تمسكاُ بظاهر النهي , وإلا فالأحب إلينا أن يفطر الحاج هذا اليوم , لأنه أقوى له على أداء النسك , ولأنه هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من فعله في حجة الوداع.
انظر رسالتنا ((حجة النبي صلى الله عليه وسلم)) وإليه يشير كلام أحمد رحمه الله , فقد قال ابنه عبد الله بن أحمد في مسائله سألت أبي عن الرجل يصوم تطوعا في السفر فهل يأثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر فقال إن صام في سفر صوم فريضة أجزأه ولايعجبني أن يصوم تطوعا ولا فريضة في سفر.
النهي عن صيام الدهر
459 - (صام نوح عليه الصلاة والسلام الدهر إلا يوم الفطر ويوم الأضحى) ضعيف.
ثم إن الحديث لو صح , لم يجز العمل به , لأنه شريعة من قبلنا , وهي ليست شريعة لنا على ما هو الراجح عندنا , ولا سيما وقد ثبت النهي عن صيام الدهر في غيرما حديث عنه صلى الله عليه وسلم , حتى قال صلى الله عليه وسلم في رجل يصوم الدهر: (وددت أنه لم يطعم الدهر) رواه النسائي بسند صحيح.
كتاب الحج
زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
45 - (من حج البيت , ولم يزرني , فقد جفاني) موضوع.
ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر , إن لم يكن كفراً , وعليه فمن ترك زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون مرتكباً لذنب كبير , وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج , وهذا مما لا يقوله مسلم , ذلك لأن زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كانت من القربات , فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات , فكيف يكون تاركها مجافياً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعرضاً عنه؟
47 - (من حج , فزار قبري بعد موتي , كان كمن زارني في حياتي) موضوع.
اعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد ساقها كلها السبكي في "الشفاء" , وكلها واهية , وبعضها أوهى من بعض , وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الآتي ذكره , وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفاً بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره , فليرجع إليه من شاء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة": (أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة لا يعتمد على شىء منها في الدين. ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروى الضعاف كالدارقطنى والبزار وغيرهما).
ثم ذكر هذا الحديث , ثم قال: (فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمناً به كان من أصحابه، لا سيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسبوا أصحابي، فوالذى نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ م أحدهم ولا نَصِيفه) أخرجاه في الصحيحين والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين "يعني زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب).
تنبيه: يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا كذب وافتراء , وليست هذه أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى وعليهم , وكل من اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستحبابها إذا لم يقرن بها شيء من المخالفات والبدع , مثل شد الرحل , والسفر إليها , لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
¥