وعن أنس قال: (رحمة الله على إبراهيم , لو عاش , كان صديقاً نبياً) أخرجه أحمد , بسند صحيح على شرط مسلم , ورواه ابن منده وزاد: (ولكن لم يكن ليبقى , لأن نبيكم آخر الأنبياء) كما في "الفتح" للحافظ ابن حجر وصححه.
وهذه الرويات , وإن كانت موقوفة , فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها , فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة: (لو عاش إبراهيم لكان نبياً) , على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنها لا تصح هكذا عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجراً , وتعكس دليلهم عليهم , إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيراً كان بسبب أنه لا نبي بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولربما جادلوا في هذا – كما هو دأبهم – وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذا الآثار , وأن يرفعوا عنها حكم الرفع , ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا , ولو من الوجه الأول , وهو أنه لم يصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعاً صراحة.
قصة افتتان داود عليه السلام
313 - (كان خطيئة داود عليه السلام النظر) موضوع.
رواه الديلمي بسند عن مجالد بن سعيد [عن] الشعبي عن الحسن عن سمرة قال: قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد عبد القيس , وفيهم غلام ظاهر الوضاءة , فأجلسه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف ظهره , وقال: فذكره.
قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": (لا أصل لهذا الحديث).
وقال الزركشي في "تخريج أحاديث الشرح": (هذا حديث منكر فيه ضعفاء , ومجاهيل , وانقطاع , قال: وقد استدل على بطلانه بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أراكم من وراء ظهري).
كذا في "ذيل الأحاديث الموضوعة" للسيوطي , و"تنزيه الشريعة" لابن عراق.
قلت: والاستدلال المذكور فيه نظر , لأن رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خلفه إنما هي في حالة الصلاة , كما تدل عليه الأحاديث الواردة في الباب , وليس هناك ما يدل على أنها مطلقة في الصلاة وخارجها , فتأمل.
وللحديث طريق أخرى , رواها أبو نعيم في "نسخة أحمد بن نبيط" , وهي موضوعة.
ولعل أصله من الإسرائليات التي كان يرويها بعض أهل الكتاب , تلقاها عنه بعض المسلمين , فوهم بعض الرواة , فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد رأيت الحديث في "كتاب الورع" لابن الدنيا موقوفاً على ابن جبير , فقال نا محمد بن حسان الستمي عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير قال: (كانت فتنة داود عليه السلام في النظر).
وهذا الإسناد ضعيف , وهو مع ذلك أولى من المرفوع.
وقصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي (أوريا) مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء , وبعض كتب التفسير , ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها , لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , مثل محاولته تعرض زوجها للقتل , ليتزوجها من بعده.
وقد رويت هذا القصة مختصرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فوجب ذكرها , والتحذير منها , وبيان بطلانها , وهي:
314 - (إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوحى إلى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرب فلانا وسماه قال فقربه بين يدي التابوت قال وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة) باطل.
رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً , كما في "تفسير القرطبي" , وقال ابن كثير في تفسيره: (رواه ابن أبي حاتم , ولا يصح سنده , لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس , ويزيد , وإن كان من الصالحين , لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة).
¥