تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى الحاكم (1/ 61 - 62) من طريق ابن شهاب قال: (خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أأنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك فقال عمر أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله).

والظلل: هي كل ما أظلك , واحدتها ظلة , أراد كأنها الجبال والسحب.

إن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله

52 - (إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ).

وسببه كما رواه أَبِو أُمَامَةَ قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: (فذكره).

فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل وفي ذلك يقول تعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف110 , فإذا كان هذا شأن المؤمن , فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله؟ الجواب في قول الله تبارك وتعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان23.

وعلى افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم , فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم , بل يجازيهم عليها في الدنيا , وبذلك جاء النص الصحيح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو:

53 - (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَتةً يُعْطَى بِهَا [وفي رواية: يثاب عليها الرزق فِي الدُّنْيَا] , وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا).

تلك هي القاعدة في هذه المسألة: أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعاً في الدنيا , فلا تنفعه حسناته في الآخرة , ولا يخفف عنه العذاب بسببها , فضلاً عن أن ينجو منه.

(تنبيه): هذا في حسنات الكافر الذي يموت على كفره , كما هو ظاهر الحديث , وأما إذا أسلم , فإن الله تبارك وتعالى يكتب له كل حسناته التي عمل بها في كفره , ويجازيه بها في الآخرة , وفي ذلك أحاديث كثيرة , كقوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا) الحديث.

هذا , وقد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث الآتي:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ:

54 - (لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ).

وجوابنا على ذلك من وجهين أيضاً:

الأول: أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها , إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه , بل السبب شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهي التي تنفعه.

ويؤيد هذا الحديث التالي:

عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ:

55 - (نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا [أي: شفاعته] لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير