فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي شفاعته كما في الحديث قبله , وليس هو عمل أبي طالب , فلا تعارض حينئذ بين الحديث وبين القاعدة السابقة.
ويعود أمر الحديث أخيراً إلى أنه خصوصية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكرامة أكرمه الله تبارك وتعالى بها , حيث قبل شفاعته في عمه وقد مات على الشرك , مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال الله عز وجل. (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) المدثر 48 , ولكن الله تبارك وتعالى يخص بتفضله من شاء , ومن أحق بذلك من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله؟.
والجواب الثاني: أننا لو سلمنا جدلاً أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع كفره به , فذلك مستثنى من القاعدة , ولا يجوز ضربها بهذا الحديث , كما هو مقرر في علم أصول الفقه , ولكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه , والله أعلم.
كَرَاهِيَةِ الْحَلْفِ بِالْأَمَانَةِ
94 - (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا).
قال الخطابي في (معالم السنن) تعليقاً على الحديث: (هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته , وليست الأمانة من صفاته , وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه , فنهوا عنه , لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته).
من عظمة العرش والكرسي
109 - (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة).
رواه محمد بن أبي شيبة عن أبي ذر الغفاري قال: (دخلت المسجد الحرام , فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده , فجلست إليه , فقلت: يارسول الله أيما نزلت آية عليك أفضل؟ قال: آية الكرسي , ما السماوات السبع ... ) الحديث.
والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) البقرة 255 , وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش , وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئاً معنوياً , ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان , كما جاء في بعض التفاسير , وما روي عن ابن عباس أنه العلم , فلا يصح إسناده إليه , لأنه من رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه , رواه ابن جرير.
قال ابن منده: (ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير).
وأعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث , كما في بعض الرويات أنه موضع القدمين , وأن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد , وأنه يحمله أربعة أملاك , لكل ملك أربعة وجوه , وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة .... إلخ , فهذا كله لا يصح مرفوعاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وبعضه أشد ضعفاً من بعض , وقد خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان) ملحقاً بآخره طبع المكتب الإسلامي.
جواب: من خلق الله
116 - (إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ).
رواه أحمد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فذكره).
117 - (يَأْتِي شَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ من خلق كذا؟ حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ).
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ:
118 - (يوشك الناس يتساءلون بينهم، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: [الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد]، ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان).
¥