الطائفة الأول: بعض المتصوفة الذين يطيعون شيوخهم , ولو أمروهم بمعصية ظاهرة و بحجة أنها في الحقيقة ليست بمعصية , وأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد , وأعرف شيخاً من هؤلاء نصب نفسه مرشداً قص على أتباعه في بعض دروسه في المسجد قصة خلاصتها أن أحد مشايخ الصوفية أمر ليلة أحد مريديه بأن يذهب إلى أبيه فيقتله على فراشه بجانب زوجته , فلما قتله عاد إلى شيخه مسروراً لتنفيذ أمر الشيخ , فنظر إليه الشيخ , وقال: أتظن أنك قتلت أباك حقيقة؟ إنما هو صاحب أمك , وأما أبوك فهو غائب , ثم بنى على هذه القصة حكماً شرعياً بزعمه , فقال لهم: إن الشيخ إذا أمر مريده بحكم مخالف للشرع في الظاهر أن على المريد أن يطيعه في ذلك , قال: ألا ترون إلى هذا الشيخ أنه في الظاهر أمر الولد بقتل والده , ولكنه في الحقيقة إنما أمره بقتل الزاني بوالدة الولد , وهو يستحق القتل شرعاً , ولا يخفى بطلان هذه القصة شرعاً على وجوه كثيرة:
أولاً: أن تنفيذ الحد ليس من حق الشيخ مهما كان شأنه , وإنما هو من حق الأمير أو الوالي.
ثانياً: أنه لو كان له ذلك , فلماذا نفذ الحد بالرجل دون المرأة , وهما في ذلك سواء؟.
ثالثاً: أن الزاني المحصن حكمه شرعاً القتل رجماً , وليس القتل بغير الرجم.
ومن ذلك يتبين أن ذلك الشيخ قد خالف الشرع من وجوه , وكذلك شأن ذلك المرشد الذي بنى على القصة ما بنى من وجوب إطاعة الشيخ ولو خالف الشرع ظاهراً , حتى لقد قال لهم: إذا رأيتم الشيخ على عنقه الصليب , فلا يجوز لكم أن تنكروا عليه.
ومع وضوح بطلان مثل هذا الكلام , ومخالفته للشرع , والعقل معاً نجد في الناس من ينطلي عليه كلامه , وفيهم بعض الشباب المثقف.
ولقد جرت بيني وبين أحدهم مناقشة حول تلك القصة , وكان قد سمعها من ذلك المرشد , وما بنى عليها من حكم , ولكن لم تجد المناقشة معه شيئاً , وظل مؤمناً بالقصة , لأنها من باب الكرامات في زعمه , قال: وأنتم تنكرون الكرامة , ولما قلت له: لو أمرك شيخك بقتل والدك فهل تفعل؟ فقال إنني لم أصل بعد إلى هذه المنزلة.
فتباً لإرشاد يؤدي إلى تعطيل العقول والإستسلام للمضلين إلى هذه المنزلة فهل من عتب بعد ذلك على من يصف دين هؤلاء بأنه أفيون الشعب؟
الطائفة الثانية: وهم المقلدة الذين يؤثرون اتباع كلام المذهب على كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع وضوح ما يؤخذ منه , فإذا قيل لأحدهم مثلاً لا تصل سنة الفجر بعد أن أقيمت الصلاة لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك صراحة , لم يطع , وقال المذهب: يجيز ذلك , وإذا قيل له: إن نكاح التحليل باطل , لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن فاعله , أجابك بقوله: لا , بل هو جائز في المذهب الفلاني , وهكذا إلى مئات المسائل , ولهذا ذهب كثير من المحقيقين إلى أن أمثال هؤلاء المقلدين ينطبق عليهم قول الله تبارك وتعالى في النصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة31 , كما بين ذلك الفخر الرازي في تفسيره.
الطائفة الثالثة: وهم الذين يطيعون ولاة الأمور فيما يشرعونه للناس من نظم وقرارات مخالفة للشرع , كالشيوعية وما شابهها , وشرهم من يحاول أن يظهر أن ذلك موافق للشرع غير مخالف له , وهذه مصيبة شملت كثيراً ممن يدعي العلم والإصلاح في هذا الزمان , حتى اغتر بذلك كثير من العوام , فيصح فيهم وفي متبوعيهم الآية السابقة (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة31 , نسأل الله الحماية والسلامة.
كراهة الاكتواء والاسترقاء
244 - (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ).
وفي الحديث كراهة الاكتواء والاسترقاء: أما الأول , فلما فيه من التعذيب بالنار , وأما الآخر , فلما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه مظنونة غير راجحة , ولذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون , كما في حديث ابن عباس عند الشيخين , وزاد مسلم في روايته فقال: لا يرقون ولا يسترقون , وهي زيادة شاذة كما بينته فيما علقته على كتابي مختصر صحيح مسلم.
الكافر إذا أسلم نفعه عمله الصالح في الجاهلية
¥