تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الماء لذلك وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع وغيره مشكوك فيه وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها).

قلت: وهذا هو التحقيق , فشد عليه بالنواجذ.

ومما يدل على أن غير الماء لا يجزئ في دم الحيض قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الثاني: (يَكْفِيكِ الْمَاءُ) , فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي , فتأمل.

الثاني: أنه يجب غسل دم الحيض , ولو قل , لعموم الأمر , وهل يجب استعمال شئ من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر والصابون ونحوهما؟ فذهب الحنفية وغيرهم إلى عدم الوجوب , مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين , وذهب الشافعي والعترة – كما في نيل الأوطار – إلى الوجوب , واستدلوا بأمر بالسدر في الحديث الثالث وهو من الحواد , وجنح إلى هذا الصنعاني , وقال في سبل السلام رد على الشارح المغربي – وهو صاحب بدر التمام – أصل السبل – في قوله: (والقول الأول أظهر): (وقد يقال: قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بماء والسدر , والسدر من الحواد , والحديث الوارد به في غاية الصحة كما عرفت , فيقيد به ما أطلق في غيره – كالحديثين السابقين – ويخص الحاد بدم الحيض , ولا يقاس عليه غيره من النجاسات , وذلك لعدم تحقق شروط القياس , ويحمل حديث (وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ) , وقول عائشة: (فلم يذهب) , أي: بعد الحاد).

قلت: وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث , ومن الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له في المحلى بذكر , فكأنه لم يبلغه.

الثالث: أن دم الحيض نجس للأمر بغسله , وعليه الإجماع كما ذكره الشوكاني عن النووي , وأما سائر الدماء , فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره القرطبي في تفسيره من (اتفق العلماء على نجاسة الدم) , هكذا قال (الدم) , فأطلقه , وفيه نظر من وجهين:

الوجه الأول: أن ابن رشد ذكر ذلك مقيداً , فقال في البداية: (اتفق العلماء على أن دم الحيوان البرئ نجس , واختلفوا في دم السمك .. ).

الوجه الثاني: أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور , بل إن بعض ذلك في حكم المرفوع إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم , وهو قائم يصلي , فستمر في صلاته والدماء تسيل منه , وذلك في غزوة ذات الرقاع كما اخرجه ابوداود وغيره من حديث جابر بسند حسن , كما بينته في صحيح ابي داود , ومن الظاهر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم بها , لأنه يبعد أن لا يطلع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي مثل هذه الواقعة العظيمة , ولم ينقل أنه اخبره بأن صلاته بطلت كما قال الشوكاني.

2 - عن محمد ابن سيرين عن يحيى الجزار قال: صلي ابن مسعود وعلي بطنه فرث ودم من جزور ونحوها , ولم يتوضأ , واسناده صحيح.

3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك وذكر: (أن السبب في اختلافهم هو اختلافهم في ميتته فمن جعل ميتته داخلة تحت عموم التحريم , جعل دمه كذلك , ومن اخرج ميتته اخرج دمه قياساً علي الميتة).

فهذا يشعر بأمرين:

أحداهما: أن إطلاق الاتفاق علي نجاسة الدم ليس بصواب , لأن هناك بعض الدماء اختلف في نجاستها , كدم السمك مثلاً , فما دام أن الاتفاق علي إطلاقه لم يثبت , لم يصح الاستدلال به علي موارد النزاع , بل وجب الرجوع فيه إلى النص , والنص إنما دل علي نجاسة دم الحيض , وما سوى ذلك , فهو علي الأصل المتفق عليه بين المتنازعين , وهو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة.

الأمر الآخر: أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة , إلا أنه محرم بنص القرآن , فستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر ولا يخفى أنه لا يلزم من التحريم التنجيس , بخلاف العكس , كما بينه الصنعاني في سبل السلام , ثم الشوكاني وغيرهما , ولذلك قال المحقق صديق حسن خان في الروضة الندية بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم وحديث أم قيس الثالث: (فالأمر بغسل دم الحيض , يفيد ثبوت نجاسته , وإن اختلف وجه تطهيره , فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا , وأما سائر الدماء , فالأدلة مختلفة مضطربة , والبراءة الأصلية مستصحبة , حتي يأتي الدليل الخالص عن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير