الأولى: إبطال قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس وهو في الركعة الثانية من صلاة الفجر , بطلت صلاته , وكذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس وهو في آخر ركعة من صلاة العصر , وهذا مذهب ظاهر البطلان , لمعارضته لنص الحديث , كما صرح بذلك الإمام النووي وغيره.
ولا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهى عن الصلاة في وقت الشروق والغروب , لأنها عامة , وهذا خاص والخاص يقضي على العام , كما هو مقرر في علم الأصول.
وإن من عجائب التعصب للمذهب ضد الحديث أن يستدل البعض به لمذهبه في مسألة , ويخالفه في هذه المسألة التي نتكلم فيها , وأن يستشكله آخر من أجلها , فإلى الله المشتكى مما جره التعصب على أهله من المخالفات للسنة الصحيحة.
قال الزيلعي في (نصب الراية) (1/ 229) بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا وغيره مما في معناه:
(وهذه الأحاديث أيضاً مشكلة عند مذهبنا في القول ببطلان صلاة الصبح إذا طلعت عليها الشمس , والمصنف استدل به على أن آخر وقت العصر ما لم تغرب الشمس).
فيا أيها المتعصبون , هل المشكلة مخالفة الحديث الصحيح لمذهبكم؟ أم العكس هو الصواب؟.
الفائدة الثانية: الرد على من يقول إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من الصلاة , ولو بتكبيرة الإحرام , وهذا خلاف ظاهر الحديث , وقد حكاه في (منار السبيل) قولاً للشافعي , وإنما هو وجه في مذهبه , كما في (المجموع) للنووي (3/ 63) , وهو مذهب الحنابلة , مع أنهم نقلوا عن الأمام أحمد أنه قال: (لا تدرك الصلاة إلا بركعة) , فهو أسعد الناس بالحديث , والله أعلم.
قال عبدالله بن أحمد في (مسائله) (46): (سألت أبي عن رجل يصلي الغداة؟ فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس؟ قال: يتم صلاته وهي جائزة قلت لأبي فمن زعم أن ذلك لا يجزئه , فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس , فقد أدرك).
ثم رأيت ابن نجيح البزار روى في (حديثه) (ق 111/ 1) بسند صحيح عن سعيد بن المسيب أنه قال: (إذا رفع رأسه من آخر سجدة , فقد تمت صلاته) , ولعله يعني آخر سجدة من الركعة الأولى , فيكون قولاً آخر في المسألة والله أعلم.
الفائدة الثالثة: واعلم أن الحديث إنما هو في المتعمد تأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق , فهو على هذا آثم بالتأخير – وإن أدرك الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) , رواه مسلم وغيره من حديث أنس رضي الله عنه , وهو مخرج في (صحيح أبي داود) (441).
وأما غير المتعمد – وليس هو إلا النائم والساهي – فله حكم آخر , وهو أنه يصليها متى تذكرها , ولو عند طلوع الشمس وغروبها لقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا , فليصلها إذا ذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك , فإن الله تعالى يقول [أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي]) أخرجه مسلم أيضاً عنه , وكذا البخاري , وهو مخرج في (الصحيح) أيضاً (469).
فإذن هنا أمران: الإدرك , والإثم , والأول هو الذي سيق الحديث لبيانه , فلا يتوهمن أحد من سكوته عن الأمر الأخر أنه لا أثم عليه بالتأخير , كلا بل هو آثم على كل حال , أدرك الصلاة أو لم يدرك , غاية ما فيه أنه اعتبره مدركاً للصلاة بإدراك الركعة , وغير مدرك لها إذا لم يدركها , ففي الصورة الأولى صلاته صحيحة مع الإثم , وفي الصورة الأخرى صلاته غير صحيحة مع الإثم أيضاً , بل هو به أولى وأحرى , كما لا يخفى على أولي النهى.
الفائدة الرابعة: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ) , أي: لأنه أدركها في وقتها وصلاها صحيحة , وبذلك برئت ذمته , وأنه إذا لم يدرك الركعة , فلا يتمها , لأنها ليست صحيحة بسبب خروج وقتها , فليست مبرئة للذمة.
¥