اليومين، أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة، واللّه أعلم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , فالمرجع فيه إلى العرف , فما كان سفراً في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم).
وقد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافاً كثيراً جداً , على نحو عشرين قولاً , وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيم أقربها إلى الصواب , وأليق بيسر الإسلام فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة أيام وغيرها من التحديدات , يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد يطرقونها , وهذ مما لا يستطيعه أكثر الناس , لا سيما إذا كانت مما لم تطرق من قبل.
وفي الحديث فائدة أخرى , وهي أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة , وهو مذهب الجمهور من العلماء كما في نيل الأوطار قال: (وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء. ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر) , قال: (ولا أعلم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة).
قلت: والأحاديث في هذا المعنى كثيرة , وقد خرجت طائفة منها في الإرواء من حديث أنس وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم.
جمع التقديم
164 - (كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَنْ يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظُّهْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ).
فقه الحديث:
فيه مسائل:
1 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر , ولو في غير عرفة ومزدلفة , وهو مذهب جمهور العلماء , خلافاً للحنفية , وقد تأولوه بالجمع الصوري , أي: بتأخير الظهر إلى قرب وقت العصر , وكذا المغرب مع العشاء , وقد رد عليهم الجمهور من وجوه:
أولاً: أنه خلاف الظاهر من الجمع.
ثانياً: أن الغرض من مشروعيته التيسير ورفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم , ومراعاة الجمع الصوري فيه من الحرج ما لا يخفي.
ثالثاً: أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم , كحديث أنس بن مالك بلفظ (أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) رواه مسلم وغيره.
رابعاً: ويبطله أيضاً جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا: (وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظُّهْرِ) , والأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
2 - وأن الجمع كما يجوز تأخيراً يجوز تقديماً , وبه قال الإمام الشافعي في الأم , وكذا أحمد وإسحاق , كما قال الترمذي.
3 - وأنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير , قال الإمام الشافعي في الأم بعد أن روى الحديث من طريق مالك: (وهذا وهو نازل غير سائر لأن قوله: [دخل .... ثم خرج] , لا يكون إلا وهو نازل , فللمسافر أن يجمع نازلاً وسائراً.
قلت: فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في الزاد: (ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمع راكباً في سفره كما يفعله كثير من الناس , ولا الجمع حال نزوله أيضاً).
وقد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار , فلذلك وجب التنبيه عليه.
ومن الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ , وصحيح مسلم , وغيرهما من الأصول التي ذكرنا , ولكن لعل الغرابة تزول إذا تذكرنا أنه الف الكتاب الزاد في حال بعده عن الكتب وهو مسافر , وهذا هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه , وقد بينت ما ظهر لي منها في التعليقات الجياد على زاد المعاد).
¥