قال ابن حزم: (وهب بن الأجدع تابع ثقة مشهور , وسائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم , وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها). وصرح ابن حزم في مكان آخر بصحة هذا عن علي رضي الله عنه ولا شك في ذلك , أما البيهقي فقد حاد عن الجادة حين قال: (ووهب أبن الأجدع ليس من شرطهما).
قلت: وهل من شرط صحة الحديث أن يكون علي شرط الشيخين؟ أو ليس قد صححا أحاديث كثيرة خارج كتابيهما وليست علي شرطهما؟ ثم قال: (وهذا حديث واحد وما مضى في النهي عنهما ممتد إلي غروب الشمس حديث عدد؟ فهو أولى أن يكون محفوظاً).
قلت: كلاهما محفوظ وإن كان ما رواه العدد أقوى , ولكن ليس من أصول أهل العلم رد الحديث القوي لمجرد مخالفته ظاهرة لما هو أقوى منه مع إمكان الجمع بينهما , وهو كذلك هنا فإن هذا الحديث مقيد للأحاديث التي أشار إليها البيهقي كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (و َلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) متفق عليه.
فهذا مطلق يقيده حديث علي رضي الله عنه وإلى هذا أشار ابن حزم بقوله المتقدم: (وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها).
ثم قال البيهقي: (وقد روي عن على رضي الله عنه ما يخالف هذا , وروي ما يوافقه) , ثم ساق حديث سفيان قال أخبرني أبواسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ركعتين في دبر كل صلاة مكتوبة إلا الفجر والعصر).
قلت: وهذا لا يخالف الحديث الأول إطلاقاً , لأنه إنما ينفي أن يكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلي ركعتين بعد صلاة العصر , والحديث الأول لا يثبت ذلك حتى يعارض بهذا , وغاية ما فيه أنه يدل على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس , وليس يلزم أن يفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر.
نعم , قد ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر , وقالت عائشة: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داوم عليها بعد ذلك , فهذا يعارض حديث علي الثاني , والجمع بينهما سهل , فكل حدث بما علم , ومن علم حجة على من لم يعلم , ويظهر أن علياً رضي الله عنه علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث , فقد ثبت عنه صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر.
وذلك قول البيهقي: (وأما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... ).
ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: (كنا مع علي رضي الله عنه في سفر , فصلي بنا العصر ركعتين , ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر , فصلى ركعتين).
ففي هذا أن علياً رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز.
وروى أبن حزم عن بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لم ينه عن الصلاة , إلا عند غروب الشمس).
قلت: وأسناده صحيح , وهو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنه.
وأما الركعتان بعد العصر , فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من الصحابة , فمن شاء فليرجع إليه.
وما دل عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلاً بعد صلاة العصر وقبل اصفرار الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها , وهو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعاً لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ العراقي وغيره , فلا تكن ممن تغره الكثرة , إذا كانت على خلاف السنة.
ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ: (لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) , أخرجه ألامام أحمد واسناده جيد.
جواز الركوع دون الصف ثم المشي إليه
229 - (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع؛ فليركع حين يدخل، ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف؛ فإن ذلك السنة).
ومما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , منهم أبوبكر الصديق , وزيد بن ثابت , وعبدالله بن مسعود , وعبدالله بن الزبير.
1 - روى البيهقي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام: أن أبابكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع , فركعا , ثم دبا وهما راكعان حتى لحقا بالصف.
¥