أخرجه الإمام أحمد حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: "أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِي نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْرًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (فذكره).
والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين , ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما , ولما كان الولد من سعي الوالدين , فهو داخل في عموم قوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم39 , فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب , مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض.
واعلم أن الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل , ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء , اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار , ثم الكاتب في كتابه "أحكام الجنائز وبدعها" , وقد يسر الله – والحمد لله – طبعه , من ذلك الدعاء للموتى , فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى , فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة.
وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه , لأنه من سعيهما , وليس له ذلك عن غيرهما , إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه , والله أعلم.
كتاب الحج
توسيع الكعبة وفتح باب آخر لها
43 - (يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك [وليس عندي من النفقة ما يقوي على بناءه] , [لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله و] لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض [ثم لبنيتها على أساس إبراهيم] وجعلت لها بابين [موضوعين في الأرض] بابا شرقيا [يدخل الناس منه] وبابا غربيا [يخرجون منه] وزدت فيها ستة أذرع من الحجر [وفي رواية: ولأدخلت فيها الحجر] فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة [فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع] وفي رواية عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر [أي: الحجر] أمن البيت هو؟ قال: نعم قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال [إن قومك قصرت بهم النفقة] قلت فما شأن بابه مرتفعا قال [فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا [وفي رواية: تعززا أن لا يدخلها إلامن أرادوا فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط] ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض] , [فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين] [وفي رواية: فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه قال يزيد بن رومان: وقد شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه الحجر وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة متلاحمة كأسنمة الإبل متلاحكة).
يدل هذا الحديث على أمرين:
الأول: أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه , وجب تأجيله , ومنه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة (دفع المفسدة قبل جلب المصلحة).
الثاني: أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث , لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك , وهو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده صلى الله عليه وسلم , وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء (أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم: أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم).
ويمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي:
1 - توسيع الكعبة وبناؤها على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وذلك بضم نحو ستة أذرع من الحجر.
2 - تسوية أرضها بأرض الحرم.
3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية.
4 - جعل البابين منخفضين مع الإرض لتنضيم وتيسير الدخول إليها والخروج منها لكل من شاء.
¥