أخرجه مسلم , وسعيد بن منصور , والنسائي , والطحاوي , وابن حبان , والدارقطني , والبيهقي , عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً من نساء الأنصار فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا) , والسياق للطحاوي , ولفظ مسلم والبيهقي: (كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا)
وقد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح , وهو:
96 - (انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).
أخرجه سعيد بن منصور , والنسائي , والترمذي , والدارمي , وابن ماجه , والطحاوي , وابن الجارود , والدارقطني , والبيهقي , وأحمد , وابن عساكر , عن بكر بن عبدالله المزني عن المغيرة بن شعبة: (أنه خطب امرأة , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فذكره) , وزاد أحمد والبيهقي: (فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها , قال: فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أنظر إليها , قال: فسكتا , قال فرفعت الجارية جانب الخدر , فقالت:أخرج عليك إن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك أن تنظر , لما نظرت , وإن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمرك أن تنظر , فلا تنظر , قال فنظرت إليها , ثم تزوجتها , فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها , ولقد تزوجت سبعين أو بضعاً وسبعين امرأة).
ومعنى: يُؤْدَمَ , أي تدوم المودة.
قلت: ويجوز النظر إليها , ولو لم تعلم أو تشعر به لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
97 - (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ).
وقد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة , وهو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل بن أبي حثمة: (رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك – فوق إجار لها – ببصره طرداً شديداً , فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
98 - (إِذَا أَلْقَي فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا).
وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي فتح الباري: (وقال الجمهور:يجوز أن ينظر اليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , وعن مالك رواية: يشترط إذنها , ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , ورد عليهم بالأحاديث المذكورة.
روى عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن طاوس قال: أردت أن أتزوج امرأة، فقال لي أبي اذهب فانظر إليها فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة , قال لا تذهب.
قلت: ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين , لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
99 - (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ).
والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , وأيده عمل راويه به , وهو الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه , وقد صنع مثله محمد بن مسلمة , كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , وكفى بهما حجة.
¥