تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يضرنا بعد ذلك مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لا سيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في التلخيص: (فائدة روى عبد الرزاق (10352) , وسعيد بن منصور في سننه (520 - 521) وابن ابي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية: أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , [فقيل له: إن ردك فعاوده] , فقال [له علي]: أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك , وهذا يشكل على من قال: إنه لا ينظر غير الوجه والكفين).

قلت: ثم وقفت على إسناده عند عبدالرزاق فتبين أن في القصة انقطاعاً , وأن محمد بن على ليس هو ابن الحنفية , وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , أبوجعفر , في بحث أودعته في الضعيفة فراجعه فإنه مهم.

وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية , قال ابن القيم في تهذيب السنن: (وقال داود: ينظر إلى سائر جسدها , وعن أحمد ثلاث روايات:

إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها.

والثانية: ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما.

والثالثة: ينظر إليها كلها عورة وغيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة).

قلت: والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , وتطبيق الصحابة له , والله أعلم.

وقال ابن قدامة في (المغني): (ووجه جواز النظر [إلى] ما يظهر غالباً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , ولأنه يظهر غالباً , فأبيح النظر إليه كالوجه , ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم)

ثم وقفت على كتاب (ردود على أباطيل) لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول (ص 43): (فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل).

وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ إن المسألة خلافية كما سبق بيانه , ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث , وهو لم يصنع شيئاً من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلاً , والواقع خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث – 99 - : (مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا)؟ فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط , ومثله في الدلالة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث – 97 - : (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , وهم أعلم بسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبدالله , فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبأ للنظر إلى الوجه والكفين فقط؟ ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي – إن صح عنه – فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة – أحدهم الخليفة الراشد – أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين , ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة؟ وعهدي بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحداً من الصحابة اتباعاً للسنة الصحيحة , ولو كانت الرواية عنه لا تثبت , كما فعلوا في عدد ركعات التراويح , ومن عجيب أمر الشيخ – عفا الله عنا وعنه – أنه قال في آخر البحث: قال الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء 59 , فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية , ورد المسألة إلى السنة بعدما تبينت , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إلا بالله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير