هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة , وقول جماهير العلماء بها – على الخلاف السابق - , فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم – ولو في حدود القول الضيق – تورعاً منهم – زعموا – ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لا بنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي , ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها وبين أهلها بثياب الشارع.
وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم – تقليداً منهم لأسيادهم الأوربيين – فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفوراً غير مشروع , والمصور رجل أجنبي عنهم , وقد يكون كافراً , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , وتظل صور بناتهم معهم ليتغزلوا بها , وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها , ألا فتعساً للآباء الذين لا يغارون , وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الزوجة المؤذية ودعاء الحور العين
173 - (لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا).
دَخِيلٌ , أي: ضيف ونزيل , يعني: هو كالضيف عليك , وأنت لست بأهل له حقيقة , وإنما نحن أهله , فيفارقك قريباً , ويلحق بنا.
يُوشِكُ , أي: يقرب , ويسرع , ويكاد.
في الحديث – كما ترى – إنذار للزوجات المؤذيات.
تعليم المرأة الكتابة
178 - (ارقيه، وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب، وفي رواية الكتابة).
أخرجه الحاكم من طريق: إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان ثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة فدل على أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة فجاءها فسألها أن ترقيه فقالت والله ما رقيت منذ أسلمت فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء فقال اعرضي علي فأعرضتها عليه فقال: (فذكر الحديث).
غريب الحديث:
نملة: هي هنا قروح تخرج في الجنب.
رقية النملة: , قال الشوكاني في تفسيرها (هي كلام كانت نساء العرب تستعمله يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع. ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصي الرجل).
كذا قال , ولا أدري ما مستنده في ذلك , ولا سيما وقد بنى قوله الآتي تعليقاً على قوله صلى الله عليه وسلم: [ألا تعلمين هذه]: (فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضا لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى [وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا] التحريم 3 , وليت شعري , ما علاقة الحديث بالتأنيب لإفشاء السر , وهو يقول: (كما علمتيها الكتاب) فهل يصح تشبيه تعليم رقية لا فائدة منها بتعليم الكتابة؟.
وأيضاً فالحديث صريح في أمره صلى الله عليه وسلم للشفاء بترقية الرجل الأنصاري من النملة , وأمره إياها بأن تعلمها لحفصة , فهل فهل يعقل بأن يأمر صلى الله عليه وسلم بهذا الترقية لو كانت باللفظ الذي ذكره الشوكاني بدون أي سند , وهو بلا شك كما قال: كلام لا يضر ولا ينفع , فالنبي صلى الله عليه وسلم أسمى من أن يأمر بمثل هذه الترقية , ولئن كان لفظ رواية أبي دأود يحتمل تأويل الحديث على التأنيب المزعوم , فإن لفظ الحاكم هذا الذي صدرنا به هذا البحث لا يحتمله إطلاقاً , بل هو دليل صريح على بطلان ذلك التأويل بطلاناً بيناً كما هو ظاهر لا يخفى , وكأنه لذلك صدر ابن الأثير في (النهاية) تفسير الشوكاني المذكور لرقية النملة , وعنه نقله الشوكاني , صدره بقوله (قيل) , مشيراً بذلك إلى ضعف ذلك التفسير , وما بناه عليه من تأويل قوله: (ألا تعلمين).
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان:
الأولى: مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى , بخلاف طلب الرقية من غيره , فهو مكروه لحديث: (سبقك بها عكاشة) , وهو معروف مشهور.
¥