87 - (يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا).
اخرجه ابن ماجه , والحاكم , ونعيم بن حماد من طريق أَبُي مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مرفوعاً به , وزاد قَالَ صِلَةُ بن زفر لحذيفة: (مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا).
ويدرس: من درس الرسم دروساً: إذا عفا وهلك , ووشي الثوب: نقشه.
وفي هذا الحديث نبأ خطير , وهو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره , وعلى القرآن فيرفع , فلا يبقى منه ولا آية واحدة , وذلك لا يكون إلا بعد أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها , وتكون كلمته فيها هي العليا , كما هو نص قول الله تبارك وتعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) التوبة33. وكما شرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها.
وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان , إلا تمهيداً لإقامة الساعة على شرار الخلق , الذين لا يعريفون شيئاً من الإسلام البتة , حتى ولا توحيده.
وفي الحديث إشارة إلى عظمة القرآن , وأن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء دينهم ورسوخ بنيانه , وما ذلك إلا بتدارسه وتدبره وتفهمه , ولذلك تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه إلى أن يأذن الله برفعه.
فما أبعد ضلال بعض المقلدة الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة , وأنه لا ضير على المسلمين من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك , هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين من الأعاجم , وهو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة , وذلك لما جرى الحديث بيني وبينه حول الاجتهاد والتقليد , قال – ما يردده كثير من الناس: إن الاجتهاد أغلق بابه منذ القرن الرابع , فقلت له: وماذا نفعل بهذه الحوادث الكثيرة التي تتطلب معرفة حكم الله فيها اليوم؟ قال: إن هذه الحوادث مهما كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عينها أو مثلها. قلت: فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحاً ولا بد. قال كيف ذلك؟ قلت: لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون مثلها لا عن عينها , إذا الأمر كذلك فلابد من النظر في كون الحادثة في هذا العصر هي مثل التي أجابوا عنها وحين ذلك فلا مناص من استعمال النضر والقياس , وهو الدليل الرابع من أدلة الشرع , وهذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل , فكيف تقولون بسد بابه؟.
ويذكرني هذا بحديث آخر جرى بيني وبين أحد المفتين شمال سورية , سألته: هل تصح الصلاة في الطائرة؟ قال: نعم. قلت هل تقول ذلك تقليداً أم اجتهاداً؟ قال: ماذا تعني؟ قلت لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء , أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد , بل اعتماداً على نص من إمام , فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة؟ قال: لا. قلت فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص؟ قال: قياساً. قلت ما هو المقيس عليه؟ قال الصلاة في السفينة. قلت هذا حسن , ولكنك خالفت بذلك أصلاً وفرعاً: أما الأصل , فما سبق ذكره , وأما الفرع , فقد ذكر الرافعي في (شرحه) أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة بالسقف ولا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة. قال لا علم لي بهذا. قلت فراجع الرافعي إذن اتعلم أن (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يوسف76 , فلو أنك تعرف أنك من أهل القياس والاجتهاد , وأنه يجوز لك ذلك – ولو في حدود المذهب فقط - , لكانت النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة , لأنها هي التي يتحقق فيها ما
¥