رغم أنني واحد من أعضاء المنتدى الذين وجه لهم الأخ الكريم أبو سند تساؤلاته إلا أنني آثرت الانتظار حتى يجيبه غيري عنها لأنه قد ظهر لي بجلاء أن الأخ أبا سند ـ غفر الله لي و له ـ لا يقبل مني ما أكتب و لو كان مدعماً بالأدلة و البراهين، و هذا مما يؤسف له حقيقة!!
و لظني أن وقتاً كافياً قد مر منذ أطلق تساؤلاته فسوف أجيب على البعض منها.
التساؤل الأول
لقد عد الأخ الكريم سابقاً أن قول عبد الله بن بسر رضي الله عنه " لا لك و لا عليك " لمن سأل عن صيام السبت موافق لظاهر الحديث و يعني حرمة صيام السبت، و قد فندتُ قوله هذا بفضل الله و بينتُ خطأه بتفصيل و إسهاب رغم وضوح عبارة ابن بسر رضي الله عنه في الدلالة على عدم الحرمة، و لو أن الأخ الكريم أنصفني لوافقني و سلم لما قلتُ أو على افتراض كون كلامي محض خطأ لبين لي موضع الخطأ بكلام علمي واضح، لكنه للأسف لم يفعل هذا و لا ذاك ـ كما هي حاله كثيراً في هذا النقاش العجيب ـ و بدل ذلك راح يسأل أسئلة فيها حيدة ظاهرة عن نقطة الخلاف، و بيان ذلك أنه يسأل مثلاً عمن علم أن صيامه ليوم ما ليس له فيه أجر و ليس عليه إثم أيعقل أن يصومه؟ أيفرح بصيامه؟ أيعيد صيامه؟ ... إلخ!!
التسلسل السليم في التفكير و في الحوار أن يخبرنا الأخ الكريم أولاً، هل سلم لنا بكون لا لك و لا عليك تعني عدم الحرمة حتى نبحث في تساؤلاته؟
إن أجاب بنعم فلا بأس و إن أجاب بلا فما الفائدة من هذه الأسئلة الفرعية؟ أليس الأجدر أن نناقش معنى العبارة أولاً بدلاً من إضاعة الوقت في التفريعات؟
و لكن لا بأس، الجواب أخي الكريم:
" لا لك و لا عليك " تدل على أحد معنيين كما بينتُ لك في مشاركة سابقة: إما الجواز و إما الكراهة
أما الجواز فقد قال به كل من رد حديث النهي، و الجائز لا يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه فمن فعل الجائز يكون لا له و لا عليه كما قال ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن الدعاء " وإن كان مباحا مستوي الطرفين فلا له ولا عليه " فهل من دعا بدعاء مباح لا يؤجر عليه؟ وهل من قال بجواز صيام السبت يعني أن صائمه لا أجر له على صيامه؟ و هل قول الزهري رحمه الله عن صيام السبت " لا بأس به" يعني أن صائمه لا يؤجر؟
الجواب لا! بل هؤلاء الأئمة أرادوا أنه لا يوجد ندب خاص لصيام السبت كالوارد في صيام الإثنين و الخميس مثلاً و لا يوجد في الطرف المقابل نهي خاص عن صيامه كالوارد في صيام الجمعة مثلاً، فلا يقال إن صيامه مندوب أو مسنون و لا يقال إنه مكروه فهو بهذا الاعتبار جائز، و لكن من صامه فإنه يؤجر لاندراج صومه تحت عموم الحث على الصيام دون تفرقة بين سبت و غيره.
و على هذا ـ و الله أعلم ـ يحمل كلام ابن تيمية رحمه الله السابق فمن دعا طالباً المال أو النجاح أو غير ذلك من المباحات فدعاؤه مباح ليس له أجر خاص عليه و لكنه يؤجر بلا شك على دعائه هذا لاندراجه تحت عموم الحث على دعاء الله عز و جل.
أما الكراهة فقد قال بها كل من صحح حديث النهي، و المكروه لا يعاقب فاعله و يثاب تاركه فمن فعل المكروه يكون لا له و لا عليه، و لكن هل الجمهور الذين قالوا بكراهة إفراد السبت بالصيام و لم يقولوا بحرمته يحثون على صيامه أو يرجحون جانب صومه على جانب ترك صومه؟ الجواب بالتأكيد لا!
فما حكم من أفرد السبت بالصيام عندهم، هل يؤجر؟
الذي يفهم من الإجماع الذي ذكره ابن حزم في مراتب الإجماع و لم يعترض عليه ابن تيمية رحمهما الله أن من أفرد السبت بالصيام يؤجر عند الجمهور القائلين بكراهة إفراده و هذه عبارته:
" وأجمعوا أن من تطوع بصيام يوم واحد ولم يكن يوم الشك، ولا اليوم الذي بعد النصف من شعبان، ولا يوم الجمعة، ولا أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر: فإنه مأجور حاشا الامرأة ذات الزوج " ا. هـ
و قد يشكل هذا، فكيف يكون الإتيان بالعبادة على وجه مكروه يستلزم الأجر و الثواب؟
لقد عنَّ لي جواب عن ذلك إن كان حقاً فمن الله عز و جل و بتوفيقه و إن كانت الأخرى فأنا راجع عنه إن شاء الله، و كما قيل المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه فأرجو ألا يبخل الأخوة الكرام بالنصح.
¥