تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو البراء الكناني]ــــــــ[15 - 04 - 06, 08:21 ص]ـ

الإشكال الثالث

الحاظر مقدم على المبيح

هذه القاعدة هي أقوى حجة للشيخ رحمه الله في قوله بحرمة صوم السبت في النفل مطلقاً، ويمكن طرح الإشكال حولها كما يلي:

1. هذه القاعدة من قواعد الترجيح وليست من قواعد الجمع والتوفيق، و القول بالترجيح يعني إعمال الدليل الذي رجحناه و ترك العمل بالدليل المرجوح، لذلك لا يصار إلى الترجيح إلا بعد تعذر الجمع، لأنه كما قيل الإعمال مقدم على الإهمال، لأن في الجمع عملاً بالدليلين الشرعيين الصحيحين بينما الترجيح يؤدي لإهمال العمل بأحدهما.

قال الشوكاني في الإرشاد 276: " قال في المحصول: العمل بكل منهما من وجه، أولى من العمل بالراجح من كل وجه وترك الآخر، انتهى. وبه قال الفقهاء جميعاً" ا. هـ من الإرشاد. وتقدم قول الشوكاني أنه لا يجوز المصير إلى الترجيح إن أمكن الجمع. (كما في المشاركة 71)

2. لو سلمنا بتعذر الجمع وأن المصير للترجيح، فإن للترجيح شروطاً، من بينها التساوي في القوة كما ذكر الشوكاني في الإرشاد، فهل حديث النهي مساوٍ في القوة لأحاديث الإباحة؟ إن أقصى ما يقال في حديث النهي أنه على شرط البخاري كما قال الحاكم، بينما أحاديث الإباحة منها ما هو متفق عليه ومنها ما انفرد به البخاري أو مسلم وقد قال النووي في التقريب: " الصحيح أقسام: أعلاها ما اتفق عليه البخاري و مسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم على شرطهما، ثم على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما" قال السيوطي في التدريب: " فائدة التقسيم المذكور تظهر عند التعارض والترجيح " وقد ذكر أبو زهرة رحمه الله في "أصول الفقه" أن علماء الحديث مجمعون على ما ذكره النووي آنفاً، ثم قال: وقال جمهور الفقهاء: أنه يقدم بعد ذلك ما كثر رواته ... إلخ. إذاً إن كان لا سبيل إلى الجمع فالمقدم هو أحاديث الإباحة لما سبق، بقطع النظر عن الحاظر والمبيح، والقول والفعل وغيرها من قواعد الترجيح من قبل المتن، و لا أظن هذا الأمر مشكلٌ فهو من باب تقديم الأصح على الصحيح.

أما إذا تساوى الدليلان المتعارضان في القوة ـ وهذا منتف هنا ـ فحينئذ ينظر في الترجيح من جهة المتن.

3. تقديم أحاديث الإباحة على حديث النهي بناءً على ما سبق يعني إهمال العمل به فلا يكره صيام السبت على أي حال، لا أنه يكون مكروهاً إذا أفرد، ناهيك عن القول بحرمته في النفل مطلقاً، فالنتيجة الصحيحة للقول بتعذر الجمع هي جواز صيام السبت على كل حال.

4. إذا تجاوزنا ما سبق، فقواعد الترجيح اجتهادية استنبطها العلماء من الكتاب والسنة والغرض منها هو مساعدة المجتهد في ترتيب الأدلة من حيث قوتها سنداً و دلالة للوصول إلى مراد الشارع من الأدلة التي ظاهرها التعارض، لذا تجدهم يختلفون حول بعض القواعد، فمثلاً قاعدة الحاظر مقدم على المبيح خلافية، فالجمهور يقولون بها احتياطاً، ولكن من العلماء من يقول المبيح مقدم على الحاظر.

قال الشيخ في الصحيحة 2398: فإما أن يقال بتقديم الإباحة على النهي، و إما بتقديم النهي على الإباحة، وهذا هو الأرجح عندي.

5. إن الأئمة الذين صححوا حديث النهي لم يكونوا يجهلون هذه القاعدة لكنهم لم يُعمِلوها لأنها كما سبق من قواعد الترجيح فلا يمكن بحال أن تعارِض طريقة من طرق التوفيق، وصنيعهم هذا بتقديم الجمع على هذه القاعدة وغيرها من قواعد الترجيح هو الصواب بإذن الله، لا ما فعله الشيخ رحمه الله من معارضة الجمع بهذه القاعدة وتقديمها عليه. وسوف أستأنس بمثال من كلام الشيخ رحمه الله في الجمع بين الأدلة ليتضح المراد للقارئ الكريم الذي ربما يستغرب أن يكون هذا المثال متعلقاً بمسألة صيام يوم السبت بعينها ففي الشريط رقم (542) من سلسلة الهدى والنور طرح الشيخ علي حسن إشكالاً مفاده أن الشيخ الألباني صحح حديثاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل صام السبت فقال له أصمت أمس؟ قال: لا فقال له: صيام السبت لا لك و لا عليك. فما هو التوجيه لهذا الحديث الذي يفهم منه إقرار النبي عليه الصلاة والسلام له بالجمع دون الإفراد؟ قال الشيخ علي: القصد شيخنا أن هذه الجملة صدرت من النبي عليه الصلاة والسلام عقب جواب الصائم أنه ما صام بالأمس أو أمس، فبالتالي قال له لا لك و لا عليك، أما لو أنه قال أنه صام بالأمس ف .. الشيخ: ... لكن هل يوجد هذا اللفظ؟ فأجاب الشيخ علي أنه غير متأكد. الشيخ: حينئذ يؤجل البحث حين تجد ذلك ... وحينئذ لكل حادث حديث.

وفي الدقيقة 40:15 وما بعدها قرأ الشيخ علي نص الحديث على الشيخ وهو: (عن الصماء أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت وهو يتغدى فقال: تعالي تغدي فقالت: إني صائمة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا قال: كلي فإن صيام يوم السبت لا لك و لا عليك) فحكم الشيخ على هذا الحديث بأنه منكر لضعف سنده أولاً ثم لمخالفته للثقات الذين رووا عن الصماء بدون هذا التفصيل، ثم قال ـ وهنا الشاهد ـ: ولو صح هذا التفصيل قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.

إذاً فالشيخ رحمه الله لو صح عنده هذا التفصيل كان سيغير رأيه ولن يبقى على القول بحرمة صوم السبت في النفل مطلقاً ـ هذا ما يفهم من كلامه ـ، فربما غير رأيه إلى القول بجواز صيام السبت في التطوع إذا صيم الجمعة قبله ويكون بذلك قد أخذ بحرفية التفصيل المذكور، أو سيغيره إلى القول بجواز صيام السبت ما لم يفرد بالصيام ليوافق بذلك من سبقه من الأئمة، هذا مع أن هذا الحديث المفصل مبيح كباقي الأحاديث المبيحة التي قدم عليها الشيخ حديث النهي بناء على قاعدة تقديم الحاظر على المبيح، فهل خالف الشيخ بذلك قواعد أصول الفقه؟ لا، بل هو في هذا قد جمع بين الحديثين مثله في ذلك مثل الأئمة من قبل الذين جمعوا ليس فقط بين هذا الحديث الواحد بل بين الأحاديث المتكاثرة جداً التي يفهم منها إباحة صيام يوم السبت وبين حديث النهي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير