قال الخطيب البغدادي في " الكفاية "ص597: ((زيادة الثقة مقبولة إذا تفرد بها، وَلم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حُكم شرعي أو لا يتعلق بها حُكم، وَ بين زيادة توجبُ نقصاناً من أحكام تثبت بخبرٍ ليست بتلك الزيادة)) وهذاقول الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث كابن حبّان والحاكم وجماعة من الأصوليين منهم الغزّالي في " المستصفى " وَ جرى عليه النووي في مصنفاته وهو ظاهر تصرفُ مسلم في صحيحه.
وَ القول بقبول رواية الثقة إذا تفرد بالحديث من أصله أولى بقبولها إذا زاد في الحديث،لأن تفرده بالحديث من أصله لا يتطرق نسبة السهو وَ الغفلة إلى غيره من الثقات إذ لا مخالفة في روايته لهم
ومن أوضح الأمثلة فيما تقرر حديثُ الأعمال بالنيات، فإنه لم يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَلم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي وَلم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ورواه عن يحيى خلق كثير قاله ابن دقيق العيد في شرحه للأربعين النووية، مع أن هذا الحديث قاله عمر على المنبر وهو من أساسيات الدين بل نصف الدين -كما قاله الشيخ بن باز رحمه الله-، وَالهمم متوافرة لنقله فلماذا لم يثبت إلا من هذا الطريق الغريب! فهل معنى ذلك أن نرد هذا الحديث لتفرد الثقة والقول بعدم قبول تفرد الثقة بالحديث يلزم منه رد خبرالآحاد؟؟؟
"وَ قداتفق جميع أهل العلم على أنه لم انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به معارضاً ولا قادحا في عدالة راويه ولا مبطلاً له"
" وَ يدل أيضا على صحة ما ذكرناه أن الثقة العدل يقول سمعت وحفظت مالم يسمعه الباقون وهم يقولون ما سمعنا ولا حفظنا وليس ذلك تكذيباً له وإنما هو إخبارُُ عن عدم علمهم بما علمه وذلك لا يمنع علمه به ولهذا المعنى وجب قبول الخبر إذا انفرد به دونهم "
وَ أما قولهم أن البخاري أعله فنقول هذه العلة ليست بعلة إلا عند البخاري بناءً على أصله المعروف وهو إشتراط معرفة اللقاء وَليس ذلك بشرط عند جمهورالمحدثين بل يكفي عندهم مجردإمكان اللقاء مع أمن التدليس، وَحيث قال البخاري: " وَلا يُتابع عليه، وَلاأدري أسمع من أبي الزناد أم لا " فنقول الجواب من وجوه:
أ- قد تقدم الكلام في تفردالثقة، و" محمدبن عبدالله بن الحسن " ثقة.
ب- وقول البخاري" أسمع من أبي الزناد أم لا " يدل على تطرق الشك والإحتمال،فلا نستطيع أن نقول أن البخاري يعله بعدم سماع محمد بن الحسن من أبي الزناد، والأصل سماعه منه فلا يُنتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، وَقد أسلفنا أنه برئ من تهمة " التدليس "، وَ السبب في قول البخاري " لايتابع عليه " بناءً على مذهبه في اشتراط ثبوت اللقاء وقد نص العلماء كالإمام مسلم والحاكم وابن حبان والباقلاني والصيرفي وقد جعله مسلم قول كافة أهل الحديث وهو أن لقاء الرواي لِمن روى عنه بالعنعنة ممكناً من حيث السِن وَ البلد وَ كان الحديث متصلا ولم يأت أنهما اجتمعا قط بشرط برائته من " التدليس " وأن القول بإشتراط ثبوت اللقاء قول مخترعُُ بل لم يُسبق قائله إليه وبالغ في رده وطوّل في الإحتجاج لذلك في مقدمة صحيحه، وهناك كتاب بعنوان " السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الأمامين في السند المعنعن " لأبي عبدالله محمد بن عمر السبتي بتحقيق محمد الحبيب بن الخوجه
وقد صحح البخاري نفسه أحاديث على غير شرطه في الصحيح مثل بعض الأحاديث التي عرضها الترميذي عليه مما يدل على أن هذا الشرط شرط كمال في صحةالحديث وَزيادة تثبت لِما عُرفَ به من دقته وَ أمانته رحم الله الجميع.
وَ لايفوتني أن ننوه على أن " محمدبن الحسن " لم يُعرف بتدليس ثم هو قد عاصر أبي الزناد وأدركه زماناً طويلا فإنه مات سنة 145 هـ وله من العمر ثلاث وَخمسين سنة وَ شيخه أبوالزناد سنة 130هـ فالإتصال ثابث لا ريب فيه بناءً على القواعد والضوابط التي يتحاكم إليها الجميع.
وأما قول من قال بأن محمد بن الحسن كان يميل إلى العزلة والخلوة فهذا ليس بقادح لا من قريب ولا من بعيد فإن الرجل من أهل البادية يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وَيسمع منه الحديث ويتفرد به ولا يُقدح فيه بسبب جهله أو بداوته مثل ذلك حديث رجل من أهل البادية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً إتقاء الله إلا أتاك الله خيراً منه " رواه أحمد فلماذا لانقول إن هذا الرجل أعرابي مقل بل مجهول الاسم فلا نقبل روايته التي تفرد بها عن باقي الصحابة السبب في ذلك أنه عدلُُ بتعديل الله له.
جـ- وهنا نقطة لابد من التنبيه عليها أثارها قول من قال " أن محمدبن الحسن غير معروف بحمل العلم " والجواب: أنه قد اتفق أهل الحديث على إشتراط أربعة شروط في الراوي الذي يؤدي الحديث وهي:
1 - التكليف 2 - العدالة 3 - الضبط 4 - التيقظ
¥