قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من وافق قوله): وهو قوله ربنا لك الحمد بعد قول الإمام سمع الله لمن حمده
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غفر له ما تقدم من ذنبه): ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماء على الصغائر قاله الحافظ. قال الخطابي: في هذا دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول ويستغفرون ويحضرون بالدعاء والذكر. عون المعبود شرح سنن أبي داود.
فضل وصل الصفوف
+ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً) حسنه الألباني.
شرح الحديث
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (على الذين يصلون الصفوف) من الوصل أي يصلون بأن كان فيها فرجة فسدوها أو نقصان فأتموها. شرح سنن ابن ماجه للسندي.
وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه
+ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r إن الله قال (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه. وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن: يكره الموت، وأكره مساءته ولا بد له منه) رواه البخاري.
شرح الحديث
هذا حديث جليل، أشرف حديث في أوصاف الأولياء، وفضلهم ومقاماتهم فأخبر أن معاداة أوليائه معاداة له ومحاربة له. ومن كان متصدياً لعداوة الرب ومحاربة مالك الملك فهو مخذول. ومن تكفل الله بالذَّبِّ عنه فهو منصور. وذلك لكمال موافقة أولياء الله لله في محابه؛ فأحبهم وقام بكفايتهم، وكفاهم ما أهمهم.
ثم ذكر صفة الأولياء الصفة الكاملة، وأن أولياء الله هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض أولاً: من صلاة وصيام وزكاة وحج وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وجهاد، وقيام بحقوقه وحقوق عباده الواجبة.
ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب إليه بالنوافل، فإن كل جنس من العبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافل فيها فضائل عظيمة تكمل الفرائض، وتكمل ثوابها.
فأولياء الله قاموا بالفرائض والنوافل، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه. ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم، فإن سمعوا سمعوا بالله وإن أبصروا فلله. وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله.
ومع تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم، وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم.
ومع ذلك لطف بهم في كل أحوالهم، ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياءه؛ لأنهم يكرهونه لمشقته وعظمته. والله يكره مساءتهم، ولكن لما كان القضاء نافذاً كان لا بد لهم منه.
فبين في هذا الحديث: صفة الأولياء، وفضائلهم المتنوعة، وحصول محبة الله لهم التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون، وأنه معهم وناصرهم، ومؤيدهم ومسددهم، ومجيب دعواتهم.
ويدل هذا الحديث على: إثبات محبة الله، وتفاوتها لأوليائه بحسب مقاماتهم.
ووصف النبي r لأولياء الله بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، مطابق لوصف الله لهم بالإيمان والتقوى في قوله (َلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) , فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً؛ لأن الإيمان يشمل العقائد، وأعمال القلوب والجوارح. والتقوى ترك جميع المحرمات.
ويدل على أصل عظيم وهو أن الفرائض مقدمة على النوافل، وأحب إلى الله وأكثر أجراً وثواباً. لقوله: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه"، وأنه عند التزاحم يتعين تقديم الفروض على النوافل. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار.
فضل صلاة السنن الراتبة
¥