الأول: فيه محمد بن عبد الله ن الحسن، وإن كان ـ رحمه الله ـ مشهور النسب والشرف والجلالة، إلا أنه ليس مشهوراً بحمل العلم، ولا أعرف له من الحديث إلا القليل، ولم يشتهر إلا بهذا الحديث، وإن وثقه النسائي رحمه الله، ولكنه في الحقيقة فيه جهالة من حيث حمل العلم.
وقد جاء عند ابن سعد في ((الطبقات)) (19) أنه كان مُعتزلاً للناس وبعيداً عنهم، كما قال أبوه عبد الله بن الحسن ـ عندما سأله بعض خلفاء بني أمية وأبو جعفر المنصورـ قال: كان مشغولاً بالصيد ومُعتزلاً للناس، و كان جالساً في البادية.
فالصواب أنه غير مشهور بحمل العلم.
الثاني: أنه قد تفرّدَ بهذا الحديث عن أبي الزناد، وأبو الزناد من الحفاظ الثقات والمشاهير، وروى عنه كِبار الحفاظ في زمانه، كالإمام مالك وشُعَيْب بن أبي حمزة، وغيرهم.
فكَيْفَ يَتَفرّد مُحَمّد بن عبد الله ابن الحسن ـ وهو ليس مَشْهُوراً بحَمْل العِلم ـ عن هذا الرجل المشهور؟
وهذا يعتبر علة ً عند أهل الحديث، ويُفيد هذا في حَدِّ ذاتهِ نكارة الإسناد، ولذلك حمزة الكناني حكم على هذا الحديث بأنه حديث مُنْكر.
الثالث: ما ذكره الإمام البخاري، من أنه لم يَذكر سَمَاعاً من أبي الزناد.
وما قيل بأنه عاصره، فأقول بالفعل قد عاصره، لكن الصواب عند أهل الحديث أنه لا يُكتفى بالمعاصرة، بل لا بُدَّ من ثبوت السماع، كما ذهب إلى هذا علي بن المديني وأحمد والبخاري وجمهور أهل العلم، كما ذكر ذلك الحافظ بن رجب في ((شرح العلل)) (20).
فالصواب أنه لم يسمع من أبي الزناد.
الثالث: ـ وهي من أقوى العلل ـ أن هذا الحديث قد رواه أبو القاسم السُرّقسْطِي في ((غريب الحديث)) (21) من طريق بكير بن عبد الله الأشج عنّ عن أبي مُرّة عن أبي هُريرة [موقوفاً] ((لا يبركنّ أحدكم بُروك الجمل الشارد))، وهذا الإسناد أصحّ بكثير من الإسناد السابق، وهذا لفظه وليس فيه التعرّض لنزول اليدين قبل الركبتين، فهذا الإسناد قد خالف الإسناد السابق وأوقف هذا الأثر على أبي هُريرة، فهذه أربع علل ٍ في الإسناد.
بَيَانُ بُطلانِ مَتْنِهِ:
وأما العِلة التي في المتن فهي ـ كما تقدّم في الرواية السابقة ـ أن هذا الحديث قد جاء بإسناد صحيح موقوفاً على أبي هُريرة، وليس بهذا اللفظ، وإنما بلفظ ((لا يبركنّ أحدكم بُروك البعير الشارد)) وبُروك البعير الشارد إنما يكون مُسْتعجلا ً، وهذا يُؤدّي إلى عدم الاطمئنان في الصلاة، والمطلوب الطمأنينة وأن ينزل الإنسان شيئاً فشيئاً، وذلك عندما ينزل على رُكبتيه ثم يديه، فتبين من ذلك بُطلان هذا الحديث.
وقد يتعجب بعض الأخوان فيقولوا:
كيْف حَكمْتَ عليه بالبُطلان وقد قوّاهُ بعض أهل العلم بالحديث، كالحَازمي ـ رحمه الله ـ في كتابه ((الناسخ والمنسوخ)) (22)، وهو من أهل العلم بالحديث، وكذلك الحافظ بن حَجَر فقد قوى هذا الحديث (23)، وهو من أهل العلم بالحديث؟
فأقول: أن من تقدَّم من أهل قد ردّوا هذا الحديث، مثل البخاري وحمزة الكناني وبن رجب، وفيما نقِلَ عن الشافعي وأحمد وغيرهم فإن كلامهم يُفِيد ضَعْف هذا الحديث وإن لم يُصرّحوا، ولذلك الخطابي وأبو جعفر الطحاوي قوّوا حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، وهو الصواب.
الخُلاصَة:
أن السنة في النزول على الرُكبتين ثابت من ثلاث أدلة:
الأول: أن حديث وائل بن حُجر أقوى من حديث أبي هُريرة في المسألة، وحديث وائل وإن كان فيه ضعفاً إلى أن الدليلَ الثاني يشهدُ له.
الثاني: أنه لم يَثبُت عن أحدٍ من الصحابة أنه جاء عنه شيء في هذه المسألة، إلا عمر بن الخطاب t أنه كان ينزل على رُكبتيه، ولم يخالف أحداً من الصحابة أمير المؤمنين عمر t .
الثالث: أن هذا قول أكثر أهل العلم، وهذا ليس بدليل، لكن يُسْتأنسُ به، فإلى هذا ذهب بعض التابعين.
من ذلك ما جاء من حديث حَجّاج بن أرْطاة عن أبي إسحاق السَبيعي قال: ((كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت رُكبهم قبل أيديهم)) (24).
وثبت عند الطحاوي عن إبراهيم النخعي قال: ((حُفظ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كانت ركبتاه تقعان قبل يديه)) (25).
وكذلك ذهب إلى هذا الإمام الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود وبن حبان وجُلّ أصحاب الحديث، خلافاً لما قاله بن أبي داود: أن أكثر أهل الحديث على النزول على اليدين، والصواب أن أكثر أهل الحديث على النزول على الرُكبتين.
وكيفما نزل، على ركبتيه أو على يديه فأمر في ذلك واسع، كما شيخ الإسلام بن تيمية ((أما الصلاة فكلاهما جائزة باتفاق أهل العلم، إن شاء يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه، وصلاته صحيحة باتفاق العلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل)) (26).
ولكن الصواب ـ كما تقدّم ـ هو النزول على الرُكبتين، والله تعالى أعلم.
انتهى ما أملاه
فضيلة الشيخ المُحدّث
عبد الله بن عبد الرحمن السعد
يتبع الحواشي
¥