ابن حزم يقول: ليس في الدنيا ما يحرم فيه ربا الفضل إلا هذا. ويقول: الدليل على أنهم مشرعون، وأن أقوالهم كلها كاذبة لأن بعضهم كالشافعي يقول: علة الربا في البر الطعم فيقيس كل مطعوم على البر فيقول: إن المطعومات كالفواكه كالتفاح وغيره من الفواكه يحرم فيه الربا قياسا على البر بجميع الطعم.
وأبو حنيفة وأحمد يقولان: العلة الكيل، فيقولان: كل مكيل يحرم فيه الربا قياسا على البر، فيحرمان الربا في النورة والأشنان، وكل مكيل.
فيقول ابن حزم هذا يقول العلة الطعم ويلحق أشياء، وهذا يقول: العلة الكيل ويلحق أشياء أخرى، وكل منهما يكذب الآخر، فهذه القياسات المتناقضة، والأقوال المتخالفة، والأحكام التي ينفي بعضها بعضا لا يشك عاقل في أنها ليست من عند الله، وأمثال هذا كثيرة.
ونحن نضرب مثلا بهذه المسألة فنقول: إن الأئمة -رضي الله عنهم- أبا حنيفة و أحمد و الشافعي -رحمهم الله- الذين سخر ابن حزم من قياساتهم، هم أولى بظواهر النصوص من .. ابن حزم.
ونقول لابن حزم مثلا: أنت قلت: إنك مع الظاهر، وقلت: ألم تعلموا أني ظاهري، وأنني على ما بدا حتى يقوم دليل؟
ذهب الإمام الشافعي الذي قال: إن علة الربا في البر الطعم، استدل بحديث ثابت في صحيح مسلم وهو حديث معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- الثابت في صحيح مسلم قال: كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل الحديث.
فالشافعي فيما سخر منه ابن حزم أقرب لظاهر نصوص الوحي من ابن حزم وكذلك الإمام أبو حنيفة و أحمد بن حنبل -رحمهما الله تعالى- اللذان قالا: إن علة الربا في البر الكيل، استدلا بالحديث الثابت في الصحيح، وكذلك الميزان لأن النبي لما ذكر المكيلات وبين أن الربا حرام فيها قال: وكذلك الميزان والتحقيق أنه وكذلك الموزونات من المكيلات، فجعل معرفة القدر علة للربا وقوله: وكذلك الميزان ثابت في الصحيحين، وفي حديث حيان بن عبيد الله الذي أخرجه الحاكم في مستدركه وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- عن أبي سعيد الخدري لما ذكر الستة التي يحرم فيها الربا قال: عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك كل ما يكال ويوزن.
وهذا الحديث حاول ابن حزم تضعيفه من ثلاث جهات، وقد ناقشناه في الكتاب الذي كتبنا على القرآن مناقشة وافية.
والتحقيق أن حيان بن عبيد الله ليس بمجروح، وأن زعمه أن أبا مجلز الذي روى عنه الحديث لم يلق ابن عباس أنه كذب، وأنه أدرك ابن عباس وأبا سعيد الخدري -رحمهما الله، وأن الحديث لا يقل عن درجة القبول بوجه من الوجوه عند المناقشة الصحيحة كما بيناه في الكتاب الذي كتبنا في القرآن.
وهذا الحديث قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك كل ما يكال ويوزن.
وهذا أقرب لظاهر نص النبي-صلى الله عليه وسلم-من ابن حزم الذي يسخر من أبي حنيفة والإمام أحمد رحمهما الله.
وليس قصدنا في هذا الكلام أن نتكلم على ابن حزم؛ لأنه رجل من علماء المسلمين، وفحل من فحول العلماء إلا أن له زلات، ولا يخلو أحد من خطأ، ومقصودنا أن نبين لمن .. ابن حزم فقط أن حملاته على الأئمة، أن الغلط في هذا معهم، وأنهم أقرب للصواب، وأولى به منه، وأعلم منه، وأكثر علما وورعا منه فهم لا يحملون على أحد، ولا يعيبون أحدا.