تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويلاحظ أن القرآن الكريم أطلق (في الغالب) الثمر أو الثمرة، أو الثمرات على ما تنتجه الأشجار والنباتات مثل قوله _تعالى_: "وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ" [البقرة: 155]، ولم يطلق على ما تنتجه التجارة من أرباح إلا إذا عممنا المراد بقوله _تعالى_: "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" [القصص: 57].

وقد وردت هذه الكلمة أيضاً في السنة كثيراً وهي لا تعدو معانيها عن ثمار الأشجار والنباتات، منها أنه _صلى الله عليه وسلم_: "نهى عن بيع الثمر حتى يزهو" متفق عليه، وقوله _صلى الله عليه وسلم_:" اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض" (مسند أحمد 3/ 342) وغير ذلك.

الاستثمار في الاصطلاح:

ورد لفظ "التثمير" في عرف الفقهاء عندما تحدثوا عن السفيه والرشيد، فقالوا: الرشيد هو القادر على تثمير ماله وإصلاحه، والسفيه هو غير ذلك، قال الإمام مالك: "الرشد: تثمير المالي، وإصلاحه فقط" (2)

وأرادوا بالتثمير ما نعني بالاستثمار اليوم (3)

وأما لفظ "الاستثمار" فلم يرد بمعناه الاقتصادي اليوم، ولذلك في معجم الوسيط: الاستثمار: استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية، وإما بطريقة غير مباشرة كشراء الأسهم والسندات ثم وضع رمز "مج" الذي يدل على أن هذا المعنى هو من وضع مجمع اللغة (4)

حكم الاستثمار:

الذي يظهر من النصوص الشرعية ومقاصدها العامة أن الاستثمار واجب في مجموعه، أي أنه لا يجوز للأمة أن تترك الاستثمار.

* ذلك لأن النصوص الثابتة في أهمية المال في حياة الفرد والأمة، وتقديم المال على النفس في معظم الآيات وامتنان الله _تعالى_ بالمال، والمساواة بين المجاهدين، والساعين في سبيل الرزق كما في آخر سورة المزمل، وتسمية العامل والتاجر بالمجاهد في سبيل الله في أحاديث كثيرة ... كل ذلك يدل بوضوح على وجوب العناية بالمال وتثميره وتقويته حتى تكون الأمة قادرة على الجهاد والبناء والمعرفة والتقدم والتطور والسعادة والنهضة والحضارة، حيث إن ذلك لا يتحقق إلا بالمال كما يقول الله _تعالى_:"وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا" [النساء: 5].

فقد سمى الله _تعالى_ المال بأنه قيام للمجتمع الإسلامي، وهذا يعني أن المجتمع لا يقوم إلا به ولا يتحرك إلا به ولا ينهض إلا به، كما أن قوله _تعالى_:"وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا" [النساء:5] ولم يقل: "منها" يدل بوضوح على وجوب الاستثمار حتى تكون نفقة هؤلاء المحجور عليهم (من الأطفال والمجانين) في الأرباح المتحققة من الاستثمار وليست من رأس المال نفسه.

يقول الإمام الرازي: "اعلم أنه _تعالى_ أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال"، قال _تعالى_: "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" [الإسراء: 26 – 27]. وقال _تعالى_: "وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" [الإسراء: 29] وقال _تعالى_: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا" [الفرقان: 67] وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة، حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن، والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال ثم قال: "وإنما قال: "فيها" ولم يقل "منها" لئلا يكون ذلك أمراً بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقاً لهم، بل أمرهم أن يجعلوا أمواله مكاناً لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوها أرزاقهم من الأرباح، لا من أصول الأموال .... " (5)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير