تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أن قوة المجتمع والأمة بقوة أفرادهما ولا سيما على ضوء منهج الاقتصاد الإسلامي الذي يعترف بالملكية الفردية، وأن ملكية الدولة محدودة، ومن هنا فتقع على الأفراد مسؤولية كبرى في زيادة الأموال وتقويتها عن طريق الاستثمار، يقول الشيخ محمود شلتوت: "إذا كان من قضايا العقل والدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكانت عزة الجماعة الإسلامية أول ما يوجبه الإسلام على أهله، وكانت متوقفة على العمد الثلاثة: الزراعة والصناعة والتجارة، كانت هذه العمد واجبة وكان تنسيقها على الوجه الذي يحقق خير الأمة واجباً ... " (12)

المعالم الأساسية لمنهج الإسلام في الاستثمار

لا يمكن الخوض في تفاصيل هذا الموضوع في هذا البحث، وإنما نكتفي بذكر أهم معالمه بصورة موجزة، وهي:

أولاً: أن منهج الاستثمار في الإسلام لا ينفصل عنه العقيدة والفكر الإسلامي، وكما أن الفكر الرأسمالي يسير عجلة الاستثمار في النظام الرأسمالي، والفكر الشيوعي كان يسير عملية الاستثمار في الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية نحو إطاره الفلسفي وأهدافه من خلال وسائله الخاصة ....

فكذلك العقيدة الإسلامية هي المهيمنة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، وفي منهج الاستثمار وأدواته ووسائله وآلياته، فالمسلم يعتقد أن المال مال الله _تعالى_، وأنه مستخلف فيه، ولذا يجب عليه أن يسير في الاستثمار وغيره على ضوء منهج الله _تعالى_، ولا يخالف شرعه كما عليه أن يعمر الكون بالعدل والحق، ويكون شاهداً على الآخرين.

ولأجل هذه العقيدة تختلف تصرفات المؤمن عن الكافر فبينما يضع المسلم في الاكتساب والإنفاق والاستثمار رضاء الله _تعالى_ نصب عينيه يضع الكافر مصالحه الشخصية أولاً ثم مصالح قومه فوق كل الاعتبارات، بل قد لا يكون له اعتبار إلا لهما، يبين ذلك قوله _تعالى_ في وصف المؤمنين: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) " [الإنسان: 8 – 9]. بينما يصف الكافر بأنه ليس راغباً في إطعام اليتامى والمساكين؛ لأنه ليس فيه مصلحة دنيوية له، حتى لو أطعم فإنما يطعم من يرجو منه مصلحة كأصحاب الجاه، حيث يقول _تعالى_: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) " [الماعون: 1 - 3] ولأجل هذه العقيدة يرى المؤمن أن الربا محق للأموال ونقص حقيقي، وأن دفع الصدقات زيادة لها، وهذا بالتأكيد عكس تصور الكافر، حيث يقول الله _تعالى_: "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ" [البقرة: 276].

ولأجل هذه العقيدة أيضاً يمتنع عن المحرمات ويقبل على الطاعات، ويعد أنه مثاب مأجور ينفذ أمر الله _تعالى_ حينما يستثمر ويتاجر ويعمل، إضافة إلى إسناده النتيجة إلى الله _تعالى_ وحينئذ لا يحزن ولا يغتم عند الخسارة، ولا يبطر ويطغى عن الربح والغناء "لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ" [الحديد: 23] فهو دائماً في أحد المقامين أو في كليهما: مقام الشكر والثناء، ومقام الصبر والرضا.

كما يترتب على هذه العقيدة سرعة الامتثال لأوامر الله _تعالى_ ونواهيه، ولذلك يقدم الله _تعالى_ على أوامره ونواهيه ذكر الإيمان فيقول _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" [النساء: 29] وقوله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [البقرة: 278].

ومن جانب آخر أن المسلم حينما يتحرك ويستثمر فإنما ينطلق من منطلق العقيدة التي تفرض عليه أن يعمر الكون على ضوء منهج الله _تعالى_ وينشر الخير والرحمة للعالمين أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير