تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالواقع أن المشتري يعلم علماً إجماليًّا كافياً بقيمة السهم، وما يقابله من الموجودات من خلال نشر الميزانية ونشاط الشركة ونحو ذلك، وهذا العلم يكفي لصحة البيع بالإضافة إلى أن العلم في كل شيء بحسبه.

ثم إن بيع الحصص المشاعة جائز بالاتفاق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية. "يجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين، كما مضت بذلك سنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_" (40) يراجع: المغني (5/ 45)؛ والمجموع (9/ 292)؛ ويراجع: د. صالح بن زابن: المرجع السابق ص (348) والمصادر السابقة الأخرى.

الملحوظة الثانية: أن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول، وجزء من النقود، وهذا يقتضي ملاحظة قواعد الصرف من التماثل والتقابض في المجلس بين الجنس الواحد، والتقابض فيه عند اختلاف الجنس؛ وذلك لأن السهم في الغالب يكون مساوياً لموجودات الشركة بما فيها النقود.

للجواب عن ذلك أن وجود النقود في الأسهم يأتي تبعاً غير مقصود؛ لأن الأصل والأساس فيها هي الموجودات العينية، ولذلك تقول: إن بيع السهم قبل بدء عمل الشركة وقبل شراء المباني ونحوها، لا يجوز إلا مع مراعاة قواعد الصرف.

فالسهم يراد به هذا الجزء الشائع من الشركة دون النظر إلى تفصيلاته فما دام للسهم مقابل من موجودات الشركة لا يعامل معاملة النقد بسبب أن جزءاً من الموجودات نقد، والقاعدة الفقهية تقضي أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وأنه يغتفر في الشيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً، قال السيوطي: "ومن فروعها ... أنه لا يصح بيع الزرع الأخضر إلا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعاً ... " (41)

بل إن مسألتنا هذه لها أصل مقرر في السنة المشرفة، حيث إن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أجاز شراء عبد وله مال –حتى وإن كان نقداً- فيكون ماله تبعاً للمشتري إذا اشترط ذلك دون النظر إلى قواعد الصرف فقد روى البخاري ومسلم، وغيرهما بسندهم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول:" ومن ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع " (42) قال الحافظ ابن حجر: "ويؤخذ من مفهومه أن من باع عبداً ومعه مال وشرطه المبتاع أن البيع يصح" ثم ذكر اختلاف العلماء، فيما لو كان المال ربويًّا، حيث ذهب مالك إلى صحة ذلك ولو كان المال الذي معه ربويًّا لإطلاق الحديث؛ ولأن العقد إنما وقع على العبد خاصة والمال الذي معه لا مدخل له في العقد (43) قال مالك: "الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له، نقداً كان أو ديناً أو عرضاً يعلم أو لا يعلم ... " (44)

الملحوظة الثالثة: إن جزءاً من السهم يمثل ديناً للشركة وحينئذ لا يجوز بيعه بثمن مؤجل؛ لأنه يكون بيع الدين بالدين وهو منهي عنه حيث روي أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ نهى عن بيع الكالئ بالكالئ –أي: الدين بالدين- (45)

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: الحديث ضعيف؛ لأن في سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (46) فلا ينهض حجة، كما أن الحديث فُسِّرَ بَعْدُ تفسيراتٌ لا يدخل موضوعنا في أكثرها.

الوجه الثاني: لا ينطبق عليه بيع الدين بالدين، إذ إن هذا الجزء من ديون الشركة داخل في السهم تبعاً، وحينئذ يكون الجواب السابق في الملحوظة الثانية جواباً لهذا الإشكال بكل تفاصيله.

الوجه الثالث: ليس الحكم السابق –في كون الدين جزءاً من السهم- عامًّا، إذ قد لا توجد الديون للشركة، وإنما تتعامل بالنقد، وعلى فرض وجودها فهي تمثل نسبة قليلة من موجودات الشركة، والقاعدة الفقهية تقضي بأن العبرة بالأكثر. (47)

والخلاصة أن الأسهم التي تقوم على الحلال، وتتبع الشركات التي تمتنع عن مزاولة أي نشاط محرم، وتتوافر فيه قواعد الشركة من المشاركة في الأعباء، وتحمل المخاطر، ولا تكون لهذه الأسهم ميزة مالية على غيرها ... فهي حلال لما ذكرناه، ويجوز إنشاؤها، والتصرف فيها؛ وذلك لأن ذلك كله داخل في حدود التصرفات المباحة التي أجازها الشارع للمالك في ملكه، امتثالاً لقوله _تعالى_: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ" [البقرة: 275] والأدلة الأخرى التي ذكرنا بعضها.

القسم الثاني: أسهم لم تتوافر فيها الشروط السابقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير