بخصوص وجود موقع على الإنترنت تعرف منه الشركات المساهمة النقية من الربا، فأنا لا أعرف أن هناك شيئا بهذه الخصوص. ولكن المواقع المشهورة على الإنترنت الخاصة بتعاملات الأسهم تقوم أحيانا بنشر بعض الفتاوى الخاصة بذلك. وسأذكر قائمة بها مع بعض الروابط التي نشرت بها شخصيا شيئا من ذلك.
وأما السؤال بخصوص تعامل بعض الناس مع بعض البنوك التي تعمل وفق ضوابط شرعية، أو عبر نافذة إسلامية، فإن الشخص نفسه هو الذي يحدد قناعته في الفتوى. فإن كان يدين الله تعالى بفتوى المفتين القائمين على الهيئة الشرعية للبنك، فلا بأس عليه بعد ذلك. وإن كان لا يثق بممارسات البنك، أو لم يقتنع أن الفتوى صحيحة فعليه الخروج من تلك الاستثمارات إلى استثمارات يطمئن لها. فإن تعامل مع بنك أو نافذة إسلامية، وكان يظنها كذلك فتبين له خلاف لك، فأرى أن عليه أن يترك ذلك الاستثمار وليس عليه تطهير؛ لأنه عمل ذلك ظانا أنه جائز شرعا.
وأنا شخصيا غير مقتنع من ممارسات كثير مما يسمى "النوافذ الإسلامية" بسبب عدم وجود الرقابة الشرعية عليها. بل ثبت لدي أن كثيرا من تلك البنوك تكذب على المتعاملين في جوانب كثيرة، منها ادعاء أن الصندوق إسلامي، أو أن الأسهم التي فيه إسلامية، أو أن عليه رقابة أو غير ذلك. وبعض الصناديق التي يزعم أنها إسلامية تكتفي بالقول إنها لا تستثمر في أسهم البنوك التجارية الربوية.
كذلك القول في حكم من يريد التعامل مع بنك ويسأل عن طبيعة الأسهم، فأقول إن عليه أن يتحرى عن الحكم الشرعي. وقد بينت فيما سبق مآخذ العلماء القائلين بالجواز. وعلى السائل أن يحكم بنفسه. والذي لا شك فيه أن الأبرأ لذمة الشخص أن يبحث عن الشركات المساهمة النقية التي لا تتعامل بالربا، سواء أراد شراءها شراء استثماريا طويل الأجل، أم كان مضاربا، أم كان متورقا بها.
أما حكم تداول أسهم البنوك التجارية السعودية فالذي أراه حرمة تداول أسهم كل البنوك الربوية حتى التي يوجد فيها نوافذ إسلامية، وحتى الآخذة في التحول إلى بنوك إسلامية. ولا يصح في نظري التعامل بتلك الأسهم حتى يعلن البنك أنه قد أكمل أسلمة كل التعاملات الخاصة به في الداخل والخارج، وكان عنده رقابة شرعية فاعلة تدلل على ذلك. أما إن كان البنك إسلاميا وينص نظامه الأساسي على ذلك ففي نظري يجوز تداول سهمه؛ حتى لو كان غالب أصوله نقود وديون. ومن ذلك أسهم شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وبيت التمويل الكويتي وبنك دبي الإسلامي وغيرها.
أما السؤال عن حكم تداول سهم شركة لا يعلم نشاطها فالأصل أن المساهم شريك في الشركة، ولا ينبغي له مثل ذلك الجهل. واستغرب من بعض السائلين حين أسأله عن الشركة التي يسألني عنها ما نشاطها فيجيب بعدم معرفته بذلك. والذي ينبغي له أن يعرف ذلك. ولكن لو لم يعرف ذلك، فهل تبطل شراكته؟ الذي أراه من واقع سوق الأسهم أن ذلك لا يبطل الشركة. وقد تكون من المضاربة المطلقة التي لم يتحدد فيها نشاط. والله أعلم.
أما حكم من تداول أسهم شركة مشبوهة وحصل منها على ربح من الأرباح الموزعة، فإن كان يعمل بفتوى من يرى ذلك، فعليه اتباع الفتوى بإخراج نسبة تطهير حسب ما نصت عليه الفتوى. وإن كان جاهلا للحكم، فهناك قولان في المسألة، وأنا لا أرى أن عليه تطهيرا؛ لأن الله لا يؤاخذ إلا بالعلم، وهو جاهل. ومع ذلك، فالصدقة أمر محبب على كل حال. والصدقة تطفئ غضب الرب جل وعلا. وإن كان الربح من جراء زيادة سعر السهم في السوق، وليست من الأرباح الموزعة، فإن العلماء المفتين بجواز ذلك لم يجعلوا عليه شيئا من التطهير.
أما اتباع هيئة شرعية معينة فالأصل فيها أن الشخص مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، ولن يغني عنه أحد، "وكلكم آتيه يوم القيامة فردا". ولا يصح ما يقوله بعض العوام من جعل العلماء وفتاواهم حرزا من النار. فالعالم يفتي حسب ما يظهر له. ولكن الشخص مطالب بطلب العلم، والسؤال عما يشكل عليه ممن يثق في علمه وورعه وفهمه للموضوع الذي يفتي فيه. وكم اتصل علي أناس لا يرون العمل بفتوى المرخصين في الشركات المساهمة التي تقترض بالربا، ويقولون عن أنفسهم إنهم عوام، ولكنهم لم يستسيغوا العمل بتلك الفتوى. وكنت أجيبهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك. الأثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس". وعليه، فلا بد من قناعة الشخص المسلم بالفتوى التي يعمل بها، ولا يصح له تتبع الرخص.
وبعض الناس يفرق بين المضاربة وبين الاستثمار طويل الأجل، ويقول: إن المضارب لا عليه إن اشترى أسهم شركة تقترض أو تقرض بالربا. والذي أرد به على هؤلاء أن أسألهم: ما المسوغ الشرعي لك في ربح السهم في حال ارتفاعه؟ فلن يكون له إجابة إلا أن يقول: إنني شريك في تلك الشركة. وكذلك أقول له: ماذا لو خسرت الشركة بعد أن اشتريت بدقائق، هل تستطيع أن تنفي صلتك بالشركة، حتى لا تتحمل أي خسارة؟ طبعا لن يستطيع ذلك، وسيكون عليه من الخسارة ما على بقية حملة الأسهم الاعتيادية لتلك الشركة المساهمة. بل لو حدث للشركة اندماج مع شركة أخرى، أو لو بيعت على شركة أخرى، أو لو أفلست، أو سحبت من التداول أو سحب ترخيصها بالعمل، لكان لكل ذلك أثر على المضارب وعلى المستثمر على وجه السواء. ومن ثم، فلا فرق هنا بين المضارب وبين المستثمر. بل نرى أن غالب التأثيرات القوية في قيمة السهم تحدث حين زيادة رأس المال، أو حين قرب نهاية السنة وتوقع الأرباح. والذي سبب ذلك الإشكال أن المفتين بجواز تداول أسهم الشركات المساهمة التي تقترض وتقرض بالربا أوجبوا التطهير على مالك السهم في حال حصوله على ربح من الشركة (حسب التفصيل الذي وضعوه). وقالوا إن المضارب ليس عليه شيء من التطهير بحكم أن التطهير على الربح الموزع، إلا أن أصدرت الشركة أرباحا والسهم في يد الشخص المضارب فيجب عليه التطهير. ولكن يجب أن لا يفهم من هذا أن المضارب له أن يتعامل بكل الشركات المساهمة التي تقترض بالربا بغض النظر عن الضوابط التي وضعها المجيزون لذلك.
د. محمد بن سعود العصيمي
¥