القبح والدناءة. وهذه صورة من صور النجش المحرم، والذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:"ولا تناجشوا" قال الخطابي:"النجش: أن يرى الرجل السلع تُباع فيزيد في ثمنها، وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد بذلك ترغيب (السوام) فيها ليزيدوا في الثمن، وفيه غرر للراغب فيها ... " وقال النووي: "وهذا محرم بالإجماع، والإثم مختص بالناجش إن لم يعلم به البائع". والبائع هنا في هذه الصورة هو الناجش!!
وتتجلى هذه الصورة من الكذب والتدليس في أسهم الشركات التي لا يتفق واقع الربحية في أسهمها مع واقع الشركة نفسها، أو بمعنى أوضح مع مواقع القيمة الدفترية للشركة، فربما ترى الشركة خاسرة من حيث الواقع، ومع هذا ترى المساهمين يضاربون في أسهمها بأرباح خيالية ربما تزيد في السوق على 100% أو 200% من قيمتها الحقيقية! وهذا واقع ثالث.
وواقع رابع: وهو عدم الشفافية في بثّ المعلومات المتعلقة ببعض الشركات المساهمة، بحيث لا يطلع على الأخبار المؤثرة في أسهم تلك الشركات إلا أفراد معدودون أو بعض (الهوامير) بلهجة السوق، وربما كان لأحد أعضاء مجلس إدارة بعض الشركات أثر سلبي في هذا الواقع، فربما بثّ بعض المعلومات لأحد (الهوامير) لعرض شراء الأسهم قبل ارتفاع قيمتها السوقية، وربما كان ذلك لنسبة بينهما فيشتري الأسهم بثمن بخس على حين غفلة من بقية المساهمين، ثم يبيعها بعد ذلك بسعر غالٍ بعد أن تُحقّق ارتفاعاً بسبب ظهور تلك المعلومة، لعلمهم المسبق بارتفاع سقف الأسهم لتلك الشركة، أو بدمج هذه الشركة مع أخرى ... إلخ، مما يؤثر إيجاباً في قيمة تلك الأسهم ... وهكذا في سلسلة طويلة من اللعب والعبث بأموال المساهمين وممتلكاتهم، والتي ربما تكون يوماً ما سبباً في انهيار الأسهم، مما ينذر بخطر –لا قدر- على أموال أولئك المساهمين.
وهنا أوجّه ثلاث رسائل:
الأولى: إلى هيئة سوق المال، بأن تقوم من سباتها، وأن تؤدي واجبها في هذا السوق، فتلاحق أصحاب الطلبات والعروض الوهمية وتعاقبهم، وتمنع أسلوب التدوير، وتحاسب أصحاب الإشاعة، وتطالب بتحقيق مبدأ الشفافية في بث المعلومات المتعلقة بجميع الشركات؛ لأن الشركة لا تخص مساهماً دون آخر، بل هي حق للجميع، كما عليها أن تراقب وتمنع كل ما من شأنه إلحاق الأذى بالمساهمين، وهنا أوجه رسالة بهذا الصدد، وهي أن صغار المساهمين يعانون تأخّر تنفيذ أوامر البيع والشراء؛ لأن البنوك والشركات تقوم بتسهيل هذه المهمة لكبار المساهمين دون صغارهم، فربما انخفضت القيمة السوقية لبعض الأسهم فلا يستطيع أولئك من بيع ما يخصهم من أسهم إلا بعد فوات الأوان، وهنا يجب تفعيل سرعة التداول بما يمكِّن الجميع من تحقيق نشاطهم على الوجه الأكمل، وبهذا يتحقق العدل بين جميع المساهمين صغاراً وكباراً.
والرسالة الثالثة: إلى أولئك المساهمين أو المضاربين بأن يتقوا الله تعالى، فيجتنبوا الحرام في مساهماتهم ومضارباتهم، وألاّ تكون هذه التجارة سبباً في انحرافات سلوكية وأخلاقية تجاه باقي المساهمين، كما لا ينبغي أن تشغلهم عن الحقوق الواجبة عليهم تجاه أهلهم وأولادهم، أوعن ذكر الله تعالى وعن الصلاة (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:36] والحقيقة أن هناك واقعاً مؤسفاً في انشغال الناس بهذه الأسهم، يصوره حال هذا الكاتب في إحدى المنتديات؛ إذ يقول بلهجته العامية: "أنا ابتعدت عن السوق، تعبت من متابعة الأسهم في فترة التداول، من الساعة الرابعة عصراً إلى الواحدة ليلاً، وثاني شيء ما تقدر تشوف أهلك ولا ربعك، كل الوقت في المكتب، وممنوع أحد يدخل عليك، والأهم الكرسي اللي تجلس عليه، تصدق –يخاطب أحد القراء في منتدى الإمارات للأوراق المالية- أنا عندي ثلاث كراسي، كل ساعة أو ثلاث ساعات أبدل الكرسي، أحسّ ظهري بينكسر ... !! " وهذه الصورة الواقعية أسوقها دون تعليق.
ـ[مجدي أبو عيشة]ــــــــ[04 - 01 - 06, 02:36 م]ـ
أخي الحبيب طارق الحربي: القصد ان من يضارب بالاسهم انما يضارب لجني الارباح دون القصد بالشراكة في الشركة المساهمة.
وبذلك يبيع ويشتري بالغالب ما لا يعرفه حقيقة. لانه يشتري حصة لا يعرفها ويبيع حصة لا يعرفها.
هنا اود ان ابين الفرق بين من يمتلك السهم للمشاركة وبين من يضارب بالاسهم لجني ارباح تبعا لتقلبات السوق.
فهو شريك مؤقت في الشركة ولكنه ربحه او خسارته لا تتعلق لا بنشاط الشركة ولا بقيمة حصته الفعلية ..
انما يتعلق بأحد امرين: استغلال الاخرين والتلاعب بهم ,او النتائج المالية للشركة.
المضارب لا يقصد الملكية للشركة والشركة اصلا ليست سلعة الا يفرق بين عقد الشراكة وبين بيع السلع؟
¥