ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[29 - 05 - 08, 10:39 م]ـ
قال العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-
من كتابه " إغاثة اللهفان " (1/ 73):
((ولله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر
وماذا أودعته من الكنوزوالذخائر
ولله طيب أسرارها ولا سيما
[(يوم تبلى السرائر)]
سيبدو لها طيب ونور وبهجة ... وحسن ثناء يوم تبلى السرائر"
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[30 - 05 - 08, 12:01 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ويقول الإمام ابن القيم- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى
((يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ))
أي تختبر،
وقال مقاتل: تظهر وتبدو، وبلوت الشيءَ إذا اختبرته، ليظهر لك باطنه، وما خفي منه، والسرائر جمع سريرة، وهي سرائر الله التي بينهُ وبين عبده في ظاهره وباطنه لله، فالإيمان من السرائر، وشرائعه من السرائر، فتُختبر ذلك اليوم، حتى يظهر خيرُها من شرها، ومؤدِّيها من مضيعها، وما كان لله مما لم يكن له؛ قال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: يُبدي الله يوم القيامة كل سرٍ فيكون زيناً في الوجوه، وشينًا فيها، والمعنى تختبر السرائر بإظهارها، وإظهار مقتضياتها من الثواب والعقاب، والحمد والذم). بدائع التفسير 5/ 185
مما سبق يتبين لنا عظم شأن القلب والسريرة، حيثُ إنَّها محطُّ نظر الله عز وجل، وعليها مدارُ القبول عنده سبحانه، وحسب صلاحها وفسادها يكون حسن الخاتمة وسوؤها، وكلما صلحت السريرة نمت الأعمال الصالحة، وزكت، ولو كانت قليلةً والعكس، من ذلك في قلة بركة الأعمال، حينما تفسد السريرة ويصيبها من الآفات ما يصيبها، وهذا هو الذي يفسر لنا تفوق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على غيرهم، ممن جاء بعدهم، والذي قد يكون أكثر من بعض الصحابة عبادةً وقربات. حيث إنَّ أساس التفاضلِ بين العباد عند الله عز وجل، هو ما وقرَ في القلب من سريرةٍ صالحة، حشوها المحبة والتعظيم، والإخلاص لله تعالى.
.
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[30 - 05 - 08, 12:08 ص]ـ
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((أنتم أطول صلاة، وأكثر اجتهادًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا أفضل منكم، قيل له: بأي شيء؟ قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منكم)). صفة الصفوة 1/ 420.
وعن القاسم بن محمد قال: كنَّا نُسافر مع ابن المبارك، فكثيرًا ما كان يخطرُ ببالي فأقول في نفسي: بأيِّ شيءٍ فُضل هذا الرجل علينا، حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة، إن كان يصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنَّا لنغزو، وإن كان يحجَّ إنا لنحج. قال: فكنَّا في بعض مسيرنا في طريق الشام، ليلة نتعشى في بيتٍ إذ طفئ السراج، فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح، فمكث هنيهةً ثم جاء بالسراج، فنظرتُ إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضل هذا الرجل علينا، ولعلهُ حين فقد السراج، فصار إلى الظلمة ذكر القيامة. صفة الصفوة 4/ 145.
وأخبار السلف في حرصهم على أعمال القلوب، وإصلاح السرائر كثيرة ومتنوعة، وبخاصة فيما يتعلق بمحبة الله عز وجل، والخوف منه وإخلاص العمل له سبحانه، ومن ذلك:
* قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((القوة في العمل أن لا تؤخر عمل اليوم للغد، والأمانة ألاَّ تخالف سريرةٌ علانية، واتقوا الله عز وجل، فإنما التقوى بالتوقي، ومن يتق الله يقه)) سير أعلام النبلاء 2/ 572.
* وعن عثمان رضي الله عنه قال: (ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلاَّ أظهرها الله على صفحاتِ وجهه، وفلتات لسانه).
* وعن نعيم بن حماد قال: سمعت ابن المبارك يقول: ما رأيتُ أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس لهُ كثيرُ صلاة ولا صيام، إلاَّ أن تكون له سريرة. سير أعلام النبلاء 8/ 97.
* وعن خالد بن صفوان قال: لقيتُ مسلمة بن عبد الملك فقال: يا خالد: أخبرني عن حسن أهل البصرة قلت: أصلحك الله، أخبرك عنه بعلمٍ أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قبلي به، أشبه الناس سريرةً بعلانية، وأشبهه قولاً بفعل، إن قعد على أمرٍ قام به، وإن قام على أمرٍ قعد عليه، وإن أمر بأمرٍ كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيءٍ كان أتركُ الناس له، رأيتهُ مستغنيًا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم. سير أعلام النبلاء 4/ 576.
* وعن الحسن- رحمه الله تعالى- قال: ابن آدم، لك قولٌ وعمل، وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرةٌ وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك. مدارج السالكين 1/ 436.
* وعن ابن عيينة- رحمه الله تعالى- قال: ((إذا وافقت السريرة العلانية فذلك العدل، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور)). صفة الصفوة 2/ 234.
* وعن عبد الله بن المبارك- رحمه الله تعالى- قال: قيل لحمدون بن أحمد، ما بال كلام السلف أنفعُ من كلامنا؟! قال: لأنَّهم تكلموا لعزِّ الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلمُ لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق. صفة الصفوة 4/ 122.
* ويقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: ((فكل محبةٍ لغيره فهي عذابٌ على صاحبها، وحسرةٌ عليه، إلاَّ محبته، ومحبة ما يدعو إلى محبته، ويعين على طاعته ومرضاته، فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر)). روضة المحبين ص280.
.
¥