فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه. ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله. وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا. بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك. ا هـ.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد جـ4 ص66 إلى69 ما نصه ..
الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الرديئة والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح, فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به, ولا يدفعونه, ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة, فتدافع آثارها, وتعارض أفعالها وتبطلها, وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه, فذكر بعض علاج الصرع, وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة.
وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج, وأما جهلة الأطباء وسقطتهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة فأولئك ينكرون صرع الأرواح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع وليس معهم إلا الجهل, وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك, والحس والوجود شاهد به, وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها.
إلى أن قال: وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.
وعلاج هذا النوع يكون بأمرين:
أمر من جهة المصروع وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه, وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها, والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان, فإن هذا نوع محاربة, والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحا في نفسه جيدا, وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل, فكيف إذا عدم الأمران جميعا؟ ويكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له.
والثاني من جهة المعالج: بأن يكون فيه هذان الأمران أيضا, حتى أن من المعالجين من يكتفي بقوله "اخرج منه" أو يقول "بسم الله" أو يقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اخرج عدو الله أنا رسول الله
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه, ويقول قال لك الشيخ اخرج فإن هذا لا يحل لك؛ فيفيق المصروع وربما خاطبها بنفسه وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب؛ فيفيق المصروع ولا يحس بألم, وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارا.
إلى أن قال: وبالجملة فهذا النوع من الصرع وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة, وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصينات النبوية والإيمانية, فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه هذا .. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك.
وقد وعد في كلمته أنه يرجع إلى الحق متى أرشد إليه فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق.
ومما ذكرنا أيضا يعلم أن ما نقلته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 14/ 10 / 1407هـ ص8 عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي, وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مائة في المائة.
¥