تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن مثل هذه الأطروحات العدائية والاستفزازية لن تزيد العالم إلا شقاءً وبؤساً، ذلك أننا جميعاً بحاجة لمصادر الرحمة والهدى، والتي يسَّرها رب العالمين على يدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فكان المستهزئون به عليه الصلاة والسلام، المشوهون لحقيقة حياته ورسالته ممن يصد الناس عن الخير ويمنع من استقرار العالم وطمأنينته، وهذا الصنف من الناس توعده الله في كتابه وندد بسوء فعالهم: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ) [إبراهيم: 3].

وإنَّه لمن المؤسف لحال البشرية اليوم، مع ما وصلت إليه من التقدم في مجالات عديدة من علوم الدنيا، بما تتضمنه من الاكتشافات المبهرة، ثم يأتي في هذا الخضم من العواصم التي تدَّعي التحضر أصواتٌ مبحوحة وكتابات ساقطة تتردى معها تلك المجتمعات بسبب إسقاطات أخلاقية نحو المقدسات.

ثالثاً: دعوى حرية التعبير لا تجيز الإساءة لأحد:

إن ادعاء صحيفة ( Jyllands-Posten ) حرية التعبير في نشرها لتلك الرسوم الساخرة من محمد رسول الله، ادعاءٌ غير مسلَّم ولا مقنع، لأن جميع دساتير العالم ومنظماته تؤكد على احترام الرسل، وعلى احترام الشرائع السماوية، واحترام الآخرين وعدم الطعن فيهم بلا بينة.

وقد جاء في ميثاق شرف المجلس العالمي للفيدرالية الدولية للصحفيين ما نصه:

(على الصحفي التنبه للمخاطر التي قد تنجم عن التمييز والتفرقة اللذين قد يدعو إليهما الإعلام، وسيبذل كل ما بوسعه لتجنب القيام بتسهيل مثل هذه الدعوات التي قد تكون مبنية على أساس عنصري أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المعتقدات السياسية وغيرها من المعتقدات أو الجنسية أو الأصل الاجتماعي.

ـ سيقوم الصحفي باعتبار ما سيأتي على ذكره على أنه تجاوز مهني خطير: الانتحال، التفسير بنية السوء، الافتراء، الطعن، القذف، الاتهام على غير أساس، قبول الرشوة سواء من أجل النشر أو لإخفاء المعلومات.

ـ على الصحافيين الجديرين بصفتهم هذه أن يؤمنوا أن من واجبهم المراعاة الأمينة للمبادئ التي تم ذكرها. ومن خلال الإطار العام للقانون في كل دولة).

ولذلك حين نطالب الصحيفة والحكومة الدنماركية بالاعتذار وبمنع تلك الإساءات لاحقاً فإننا نعتمد أيضاً على ميثاق صحفي شريف، جاء فيه: (سيقوم الصحافي ببذل أقصى طاقته لتصحيح وتعديل معلومات نشرت ووجد بأنها غير دقيقة على نحو مسيء).

ولا شك أن ما نشرته صحيفة ( Jyllands-Posten ) الدنماركية مسيءٌ لأكثر من مائتي ألف من مواطني الدنمارك، ومسيء لأكثر من مليار وثلاثمائة مليون شخص، ومعهم غيرهم من المنصفين من أصحاب الملل الأخرى، كلهم يعظمون رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وسيبقى ذلك العمل مسيئاً لكل المسلمين ما بقيت هذه الحياة على وجه الأرض، وستبقى الدنمارك ـ إذا لم تعالج هذه الإساءة ـ مصدر قرف واشمئزاز من عقليات تقطن فيها، وتعادي الرسل والشرائع السماوية وتسخر بها.

رابعاً: هذا الاستهزاء لا يخدم مصالح الدنمارك ولا مصالح أوروبا:

إن العقلاء في البلاد الغربية النصرانية ينبغي أن يدركوا كم في تلك الكلمات والاستفزاز من الأخطار الكبيرة على رعاياهم ومصالحهم في أقطار الأرض، بل وفي بلدانهم، وأنها قد تؤدي لمزيد التوتر، بما يتعين معه الكف عن هذا الغيِّ والبهتان.

فقد تأخذ الحميةُ بعض المتحمسين للثأر ممن وقع في رسول رب العالمين، ومئات الملايين يفرحون أن يموتوا دفاعاً عن نبيهم وعن مكانته الشريفة أن تمتهن. ولكن من ضمن هؤلاء من لا يَقْدِر أن يصفِّي حسابه مع من استهزأ وقال الإفك والبهتان لبُعده عنه؛ فيعمد إلى من يراهم يدينون بالنصرانية حوله فينتقم منهم ومن ممتلكاتهم لقربه منهم، مع أن هذا العمل الأخير لا يجوز، وقد حرمه ومنع منه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة " رواه البخاري.

والمراد بالمعاهد: من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية أو هُدنة من سلطان، أو أمانٍ من مسلم، ويدخل في ذلك ما له صلةٌ بالأعراف الديبلوماسية التي التزمت بها الدول وتعارفت عليها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير