وأعمال التحريض والاستفزاز تلك ستؤدي إلى سفك الدماء وإزهاق الأرواح ومزيد الاضطراب والتوتر.
ونذكر في هذا المقام بالقرار الذي تبنته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، (بتاريخ 3/ 3/1426 هـ - الموافق12/ 4/2005 م) الداعي إلى محاربة تشويه الأديان، لاسيما الإسلام، الذي زادت وتيرة تشويهه في الأعوام الأخيرة.
خامساًً: أين الحكماء من النصارى؟
أذكِّر الشعب الدنمركي، وغيره من الشعوب النصرانية، وغيرهم من أمم الأرض، أذكرهم جميعاً بالمواقف السابقة لأسلافهم من النصارى، وكيف كان تعاملهم مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان موقفهم حضارياً حكيماً متعقلاً، بعيداً عن التشنجات النفسية أو الانحرافات الأخلاقية، فكانت عاقبة أمرهم إلى خير، في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة.
فقد بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رسائل إلى كِسرى ملك الفرس وإلى قيصر ملك الروم، وكلاهما لم يُسْلِم، لكنَّ قَيصر أكرم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثَبَتَ ملكُه، واستمر في الأجيال اللاحقة، وأما كِسرى فمزَّق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ برسول الله، فقتله الله بعد قليل، ومزَّق مُلكَه كلَّ مُمَزَّق، ولم يبق للأكاسرة ملكٌ.
وقد ذكر المؤرخون كيف كانت ملوك النصارى يعظِّمون ذلك الكتاب الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا يقول الإمام العالم الحافظ ابن حجر: ذكر السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سِبطه، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.
ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " انتهى.
ثم أَمَا للشعب الدنمركي النصراني وغيرهم من النصارى أسوةٌ بالملك النصراني النجاشي ملك الحبشة، فإنه لما قرأ عليه الصحابي جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ صدراً من سورة مريم بكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا ـ واللهِ ـ والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. رواه الإمام أحمد في "المسند".
ولقد نقل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحاه الله إليه في القرآن الكريم من ثناء الله جل وعلا على أولئك النصارى الذي صدقوا في دينهم وفي أمانتهم، وهو قول الله في القرآن الكريم: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [سورة المائدة: 83].
ونذكر الشعب الدنمركي وقادة الرأي والمثقفين فيه والقائمين على صحيفة (جيلاندز بوستن) نذكرهم بما قاله أحد علمائنا، وهو الإمام أحمد ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قال: " وما زال في النصارى من الملوك والقسيسين والرهبان والعامة من له مزية على غيره في المعرفة والدين، فيعرف بعض الحق، وينقاد لكثير منه، ويعرف من قَدْرِ الإسلام وأهله ما يجهله غيره، فيعاملهم معاملة تكون نافعةً له في الدنيا والآخرة ".
سادساً: الاستهزاء بالأنبياء مسلك الأشرار:
إن تلك الإساءة التي نشرتها صحيفة (جيلاندز بوستن) لم تخرج عن طريقة أصحاب المناهج الشريرة، الذين الذي حاربوا الأنبياء والمصلحين، وهذا ما أخبرنا الله به عنهم في القرآن الكريم: فقال تعالى: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) [آل عمران: 184].
¥