ولم يغفل المسلمون - منذ جيل الصحابة الكرام - عن قدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن محبته وتعظيمه .. فنرى في سيرة هؤلاء الصحابة وتابعيهم وعلماء الأمة وعوامها من بعدهم أفضل نماذج لهذا التعظيم .. ..
وقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة بتعظيم وإجلال رسول الله ..
ومن ذلك: مارواه الدارمي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال: (كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبدالله، لقد رأيت منك عجباً! فقال: (نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)
وقال الشافعي (رحمه الله تعالى): (يكره للرجل أن يقول: قال رسول الله، ولكن يقول: رسول الله؛ تعظيماً لرسول الله).
* من مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم:
1) فأول علامات المحبة: الإتباع والاعتصام بالكتاب والسنة ..
وحيث كان ادّعاء حب الله من أسهل ما يكون على النفس جعل الله دلالته النبي صلى الله عليه وسلم كما في الاية السابقة " قل ان كنتم تحبون الله ... "
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كنت صادقا في حبه لأطعمته أن المحب لمن يحب مطيع
قال الحسن: ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية:" قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "
وثمرة الإتباع محبة الله للمتبع ... وشان عظيم أن تًحِب وأعظم منه أن تحب ..
ومن نافلة القول هنا أن يقال أن معنى التعظيم المشروع لرسول الله هو تعظيمه بما يحبه هو صلى الله عليه وسلم وعدم رفعة فوق منزلته النبوية وانه عبد لايعبد ورسول لايكذب فلا يرفع الى مقام الربوبية أو الإلوهية ..
2) الحذر من رد شيء من السنة:
قال احمد بن حنبل:" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " قال الله تعالى:" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم ".
قال ابن كثير رحمه الله:" أي: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان " ا. هـ[تفسير ابن كثير:2/ 307] ..
ومن مظاهر رد السنة السخرية والاستهزاء بالسنة النبوية ومعارضتها بالعقول والآراء والرغبات والعادات كالسخرية والاستهزاء باللحية ورفع الرجل ثوبة فوق الكعبين وحجاب المرأة والسواك والصلاة الى سترة وغير ذلك. فتسمع من يصف تلك الأعمال بأوصاف رديئة أو يتهكم بمن التزم بها فلم يجد هؤلاء مايملؤون به فراغهم الا الضحك والاستهزاء بمن عمل بالسنة وحافظ عليها فيجعلونه محلا لسخريتهم هازلي لاعبين فيصدق في مثلهم قوله صلى الله عليه وسلم:" وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم "
ويغفل كثير من الناس عن أمر خطير وهو أن الاستهزاء بالدين كفر سواء كان على سبيل اللعب والهزل والمزاح أو على سبيل الجد فهو كفرمخرج من الملة.
قال ابن قدامة: من سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا وكذلك من استهزاء بالله تعالى او بآياته أو برسله أو كتبه.اهـ
وعن سلمة بن الاكوع رضي الله عنه: أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: " كل بيمينك " قال: لا استطيع. قال: " لا استطعت ما منعه الا الكبر " قال: فما رفعها الى فيه.
قال التيمي: فليتق المرء الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف فانظر كيف وصل اليه شؤم فعله
وعن ابي يحيى الساجي قال: كنا نمشي في أزقة البصرة الى باب بعض المحدثين فاسرعنا المشي ومعنا رجل ماجن متهم في دينه فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها (كالمستهزئ) فلم يزل من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط.!!
3) ومن مظاهر محبته وإجلاله عليه الصلاة والسلام إجلال صحابة رسول الله، فيتعين احترامهم وتوقيرهم، وتقديرهم حق قدرهم، والقيام بحقوقهم (رضي الله عنهم). وقد خرج جرير بن عبد الله البجلي، وعدي بن حاتم، وحنظلة الكاتب (رضي الله عنهم) من الكوفة حتى نزلوا قرقيساء وقالوا لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان بن عفان.
¥