ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " أهـ.
إن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم لا تكاد تحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم .. ) امتدحه ربه ورفع منزلته فهو أول من تنشق عنه الأرض ,وأول من يدخل الجنة , وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون , والحوض المورود .. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره , وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل , لقد شهد بفضل نبين صلى الله عليه وسلم القاصي والداني والصديق والعدو , وأنَّا لأحد أن يكتم فضائله صلى الله عليه وسلم وهي كالقمر في ضيائها , وكالشمس في إشراقها , ولعي أورد شيئاًً مما نطق به عقلاء القوم في مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته وسطرته أيديهم راغبين غير راهبين , مختارين غير مكرهين - ونحن إذ نورد شيئاً من كلامهم لا نورده حاجةً منا إليهم لتزكية المقام المحمدي فقد زكاه ربه وطهره ونقَّاه , وإنما نورد ذلك من باب (وشهد شاهد من أهلها) , ونورده – تنزلاً – مع مفتونٍ لا يقرأ إلا بالعجمية ولا يفهم إلا لغة أهلها؟! نخاطبه بلغته التي أعجب بها وهام في حبها - ..
يقول البروفيسور (راما كريشنا راو) في كتابه " محمد النبيّ ": " لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبيّ، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا ".
ويقول (مايكل هارت) في كتابه "مائة رجل في التاريخ": إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.
وأخيراً: ما هو دورنا؟
إن على كل مؤمن يحب الله ورسول صلى الله عليه وسلم ويغار لدينه أن ينتصر لرسوله وأن يقدم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة. على الدول الإسلامية أن تهب لنصرة نبيها وأن تستنكر ذلك أشد الاستنكار وأن ترفع عقيرتها بالاستنكار والتنديد والمطالبة الجادة وذلك في المؤتمرات والمحافل العامة رعاية لحق من أهم حقوقها. وعلى المؤسسات أن تقوم بدورها من خلال كتابة بينات تستنكر فيه هذا الفعل المشين وتطالب بمحاكمة هذه المجلات , رداً لاعتبار أكثر من مليار وأربعمئة مليون مسلم! , ثم على المؤسسات والصحف والمجلات والمواقع الإسلامية أن تكتب رداً على هذه الافتراءات, وأن تسطر على صفحاتها- بقلم يسيل عطراً- شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وأن تبين الدور العظيم الذي قام به صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية وأنه أُرسل (رحمة للعالمين) وهداية للناس أجمعين.
لقد أحزنني كثير يوم دخلت على عدد من المواقع الإسلامية وكنت أتصور أن أجد فيها تفاعلاً يناسب ضخامة الحدث وعظم الهجمة , فرأيت أقل مما كنت أرجوه , بل إن قلت أن عدداً من المواقع لم تعرض للخبر أصلا؟! وهذا أمر يحزن ويزيد من جرأة المعتدين ...
ولعي أختم الحديث بذكر قصيدة للشيخ جمال الدين الصرصري والذي قال عنه ابن كثير: الصرصري المادح , الماهر , ذو المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , يشبه في عصره بحسان بن ثابت رضي الله عنه. يقول:
محمد المبعوث للناس رحمةً ... يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلح
لئن سبَّحت صُمُّ الجبال مجيبةً ... لداود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفه ... وإن الحصا في كفه ليُسَبِّح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا ... فمن كفه قد أصبح الماء يَطفح
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعةً ... سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا ... ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت ... له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها ... أتته فرَدَّ الزاهد المترجِّح
وإن كان إبراهيم أُعطي خُلةً ... وموسى بتكليم على الطور يُمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلَّم ... وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا ... ويشفع للعاصين والنار تَلْفح
وبالمقعد الأعلى المقرَّب ناله ... عطاءً لعينيه أَقرُّ وأفرح
وبالرتبة العليا الوسيلة دونها ... مراتب أرباب المواهب تَلمح
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخلٍ ... له بابها قبل الخلائق يُفْتَح
هذا وأسأل الله أن يعلي دينه وينصر كتابه
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه أجمعين.
[email protected]
¥