ثم إني قد اطلعتُ قبل أيام على ما نشرته صحيفة «يولاند بوستن» ( Jyllands-Posten ) الدنماركية، يوم الجمعة (26/ 8/1426هـ -30/ 9/2005م) من طعن في النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، واستهزاء به وإلحاد، بنشرهم اثني عشر رسما كاريكوتيرا ساخرا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، واستمرت في نشره أسبوعا بعد ذلك! ثم أعادت عدة صحف أوروبية نشر هذه الرسوم هذا الشهر والذي قبله مرَّة أخرى.
وفي هذا محادَّةٌ لله ورسولِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومحاربةٌ وإيذاءٌ، وقد قال جَلَّ وعلا في المؤذين له ولرسله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً).
وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ).
وقد أوجب الله جَلَّ وعلا على المسلمين كافَّة حقوقا وواجبات في شأن الُمعادين له ولرسله صلى الله عليهم وسلم، من إيذانهم بالحرب والعداوة والبغضاء.
وجعل حكم سَابِّ رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - القتل، سواء كان مسلما أو كافرا، تاب من سَبِّهِ أم استمر في غَيِّهِ، بل حتى لو كان السّاب كافرا فأسلم لم يعصم ذلك دمَهُ، وإنْ قُبِلَ منه إسلامُه، لذلك يُقتل دون استتابة.
وقد قَرَّرَ هذا كُلَّهُ شيخُ الإسلام أبو العباس أحمد ابن تيمية رضي الله عنه أتمَّ تقرير في كتابه العظيم الكبير «الصارم المسلول، على شاتم الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -»، واستدلَّ عليه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع، وساق فيها ما لا يستطاع دفعه.
قال شيخ الإسلام في أوله (ص3): (المسألة الأولى: أن مَنْ سَبَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مسلم أو كافر: فإنه يجب قتله. هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: «أجمع عوام أهل العلم على أن حَدَّ مَنْ سَبَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - القتل»).
وقد حكى الإجماع غير واحد من الأئمة، منهم أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي، وإسحاق بن راهوية، والخطابي، ومحمد بن سحنون.
وقال (ص253): (المسألة الثانية: أنه يتعين قتلُه، ولايجوز استرقاقُه، ولا المَنُّ عليه ولا فداؤه).
وقال (ص300): (المسألة الثالثة: أنه يُقتل ولا يُستتاب، سواء كان مسلما أو كافرا. قال الإمام أحمد في رواية حنبل: «كل مَنْ شتم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتنقَّصه مسلما كان أو كافرا: فعليه القتل، وأرى أَنْ يُقتل ولا يُستتاب»).
ثم قال: (وقال عبد الله: سألت أبي عَمَّنْ شتم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يستتاب؟ قال: «قد وجب عليه القتل ولا يستتاب، خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولم يستتبه»).
ثم قال (ص301): (وقال القاضي في «خلافه» وابنُه أبو الحسين: «إذا سَبَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُتل، ولم تقبل توبتُه، مسلما كان أو كافرا، ويجعله ناقضا للعهد، نَصَّ عليه أحمد»).
ثم قال (ص303): (وقد صرح بذلك جماعة غيرهم، فقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى في «الإرشاد» وهو ممن يُعتمد نقلُه: «ومَنْ سَبَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُتل، ولم يُستتب، ومَنْ سَبَّهُ من أهل الذمة قُتل، وإِنْ أَسْلَمَ».
¥