وكانتْ حوارات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على هذا، لهذا قال سبحانه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، ولو أقاموهما لآمنوا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأسلموا، كما قال عيسى عليه السلام لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
وقال: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).
فهل هذه الحواراتُ المزعومةُ، شرعيةٌ مبنيَّةٌ على هذَيْنِ الأصلَيْنِ، أو أنَّها غطاء لهدم الدين، وموالاة الكفار والمشركين؟!
2 - ومن منافق زاعم: أَنَّ سبب جناية تلك الصحيفة هو تقصير المسلمين أنفسهم في تعريفهم بالإسلام! فمرادُه تبرئة هؤلاء المحادّين من جنايتهم، أو تبريرها لهم، وإناطة جُرْمِها بالمسلمين!
ولم يعلم هذا المنافق أَنَّ النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - مع شهادة الله التامة له بإبلاغ الرسالة وإتمام الدين - لم يسلم من المستهزئين والساخرين، قال سبحانه لنبيِّه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ).
بل كُلُّ أنبياء الله كذلك، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، وقال: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
وقال: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ).
وقال لنبيِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُوْنَ).
3 - ومِنْ منافق زاعم: أنَّه يعارض المقاطعةَ إِنْ كان بها إضرار بمصالح المسلمين!
ولا أدري ما هذا الضرر الفائق لمحادَّتِهم لله واستهزائهم برسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وغير ذلك ممَّا قدَّمنا. أم أن ضرره المترقَّب ما يخشاه من فضل مطعم ومشرب! فلا أشبع الله إذن بطنَه.
ولو قُدِّرَ حصول ضرر - وهو غير مسلم -: فالواجب احتساب الأجر والصبر، فإنَّ الجنة لم تُحَفَّ بالشهوات، وإنما حُفَّتْ بالمكاره، وإنما جهنم هي المحفوفة برغبات النفوس وأهوائها.
ومع هذا: لم يحصل بحمد الله ضرر، بل حصل مِنْ نصرة الدِّين وخُذْلان الكفار والمنافقين ما تَقَرُّ به أعين المؤمنين. ولم ينفرد علوج الدنمارك بحمد الله ببضائعهم، بل قد عَمَّتِ الخيراتُ بلادَنا وبلاد المسلمين من كل دولة وكل بلد، غير ما في بلاد المسلمين من خيرات تُغْنِيْهم عمَّا في بلاد أولئك المجرمين.
وإنما هذا المتكلم قد أعمى الله بصرَهُ وبصيرتَهُ، ومُلِئَ قلبُه نفاقا وحَنَقًا، فما يَسُرُّ المؤمنين لا يَسُرُّهُ وما يُؤْذِي الكفَّارَ لا يُؤْذيه، وإنما سروره وضرُّه فيما يَسُرُّ أعداء الدين وفيما يَضُرُّهم. فَلْيَمُتْ بغيظه فليس في المؤمنين المُمْتلئة قلوبُهم بحبِّ الله وحُبِّ رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والذّبّ عن حماهما وشريعته مَنْ يُصْغِي إليه أذنا. غير أَنَّهُ أراد إلباس نفاقه لبوس الخشية على المسلمين ومصالحهم! فاستتر بثوب خَلِقٍ بَالٍ، لم يسترْ عورتَهُ! فقد نَبَّأَنَا اللهُ من أخبارهم ما أظهرَ لنا جَهْرَةً عوارَهم!
ـ[المسيطير]ــــــــ[07 - 02 - 06, 11:56 م]ـ
¥