بيانٌ في الواجب على المسلمين تجاه ما نشرته بعض الصحف الدنماركية والأوروبية في حق النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وخيرة الخلق أجمعين، نبينا وسيد ولد آدم، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن أعظمَ نعمة أنعمها الله على العالمين، بعثتُه المرسلين لبيان حَقّ رَبّ العباد أجمعين، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّيْنَ مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالَحقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيْمَا اخْتَلَفُوْا فِيْهِ مِنَ الَحقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ)، (رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلَّا يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
فكان أعظم الناس حَظًّا، وأتمَّهم سعادةً مَنْ آمن بهم ونصرهم وعزَّرهم، وكان أشقى الناس وأتعسهم مَنْ كفر بهم، وقاتلهم، وأستهزأ بهم وبما جاءوا به. قال سبحانه: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).
وقال: (وَمَا نُرْسِلُ الُمرْسَلِيْنَ إِلَّا مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ. وَالَّذِيْنَ كَذَّبُوْا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ العَذَابُ بِمَا كَانُوْا يَفْسُقُوْنَ).
وأوجب سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله الكرام حقوقا عظيمة على أُمَمِهم، مِنَ الاتِّباع والسمع والطاعة والمحبة فوق محبة النفس والمال والوالد والولد، والنصرة والتعزير والتوقير والتصديق والتعظيم.
ثم جعل أعظمهم حَقًّا، وأتمَّهم قَدْرًا، سيد الثقلين، وخيرة الأولين والآخرين، خليله وكليمه، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله أتم صلاة وأتم سلام. وأخبر عباده المؤمنين بأن نبيه محمدا له عنده المقام المحمود المُعظَّم، وأنه خليله المُكرَّم، وصفيه الُمكلَّم، أُعرج به إليه، وسمع من ربه كلامه وما أُوحيَ عليه، وأنه شفيع العباد يوم المعاد، وأنه شفيعهم يومئذ عند امتناع الأنبياء والرسل عن الشفاعات، واعتذارهم ببعض الأمور والزَّلَّات، فيقوم بين يدي ربه داعيا متضرعا ذليلا، فَيُكْرِمُ رَبُّهُ مقامَهُ عنده، ويقول له أمام أنبيائه وسائر خلقه «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ».
وأخبر سبحانه عبادَهُ مُمْتَنًّا عليهم ببعثتِه إيَّاه لهم: أنه على خلق عظيم، وأنه رؤوف بهم ورحيم، يُعْنِتُهُ ما يُعْنِتُهُمْ، ويَسُرُّهُ ما يَسُرُّهُمْ، فما دعى لهم إلا بالهداية والرشاد، وإنْ تمادوا عليه بالتكذيب والعناد. وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم، فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يُوقى بالأنفس والأموال، وأَنْ يُقَدَّمَ على كُلِّ حال، كما قال سبحانه: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الَمدِيْنَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوْا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوْا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ).
فَعُلِمَ أَنَّ رغبة الإنسان بنفسه أَنْ يصيبَهُ ما يصيب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام.
ومِنْ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم: أن يكون أحبَّ إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق، كما دَلَّ على ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ» أخرجاه في «الصحيحين». فصلى الله عليه صلاة دائمة ما دامت السموات والأرض، وسَلَّمَ عليه سلامًا ما تعبَّد اللهَ المؤمنون بنفل أو فَرْض.
فَصْلٌ
¥