تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كالميتة، لكن ألا يعلمون أن هؤلاء البلغار يذبحون إخواننا المسلمين هناك، أمّا يكفي هذا الطغيان وهذا الاعتداء الأليم على إخواننا من المسلمين هناك أن يصرفنا عن اللحم البلغاري ولو كان حلالاً، هذا يكفي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين» انتهى كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- بحروفه.

فالمقاطعة معقولة المعنى، وليست أمر توقيفي، وهي نوع من أنواع العقوبة، ويُعجبني كلام الإمام ابن القيّم، بقول ابن القيّم في «الزاد»: «وحكم -صلى الله عليه وسلّم- بأنّ من أغلق بابه، أو دخل دار أبو سفيان، أو دخل المسجد، أو وضع السلاح فهو آمن، وحكم بقتل ستّةٍ منهم -وسمّاهم-»، ثمّ قال: «ولا ريب أنّ المحاربةَ بسبّ نبينا أعظم إذية ونكايةً من المحاربةِ باليد، ومنع دينار جزية في السنة، فكيف ينقض عهده، ويقتل بذلك دون السبّ»، يعني: الكتابي إذا ما أعطانا الجزية نقض عهده، والسب، يقول: «وأيُّ نسبة لمفسدةِ منعه ديناراً في السنّة إلى مفسدته مجاهرته بسبّ نبينا أقبح سب على رؤوس الأشهاد، بل لا نسبة لمفسدةِ محاربته باليد، إلى مفسدته بمحاربته بالسب»، فأولى من انتقض به العهد وأمان أهل الكتاب سبُّ رسول الله –صلى الله عليه وسلّم-، يقول: «ولا ينتقض عهده بشيءٍ أعظم منه إلا سبُّ الخالق –سبحانه-، فهذا محض القياس، ومقتضى النصوص، وإجماع الخلفاء الراشدين –رضي الله تعالى عنهم-»، يقول: «وعلى هذه المسألة أكثر من أربعين دليلاً».

فإذاً سابّ النبيّ –صلى الله عليه وسلم- في عقوبته في الدنيا أعظم من سبّ الربّ –عزَّ وجل-، وذكر الإمام ابن القيّم اعتراضاً، وسبقه إليه شيخه ابن تيمية في «الصارم المسلول»، ذكروا اعتراضاً في أنّ النبيَّ كان يؤذى وكان يسكت، وما كان يُقيم الحد، فوجه الشيخان الجليلان، والإمامان الربّانيان، وجها ذلك بأنّ هذا من حقّه، وأنّ الأمر في حياته يخصُّ ذاته، وله أن يسقطه، أمّا أولياء الأمور بعده فلا يجوز لهم التساهل في حقّ من سبّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلّم- حتى ولو جاء تائباً، ولذا الذي يسبُّ الرب يستتاب، لعله غفل، لعلَّ الإيمان قد ضَعُفَ، لم يرضى بقدر الله، أمّا الذي يسبّ النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- فلا يُستتاب، وإن تاب لا تُقبل توبته، وربنا يقول: {فإن طعنوا في دينكم} فجعل جواب الشرط بقوله: {فقاتلوا أئمة الكفر}، فجعل الذي يطعن في النبيّ ويطعن في الدين إماماً من أئمة الكفر.

قد يقول قائل: هذا حال رسام أو اثنين، أو أربعة، أو عشرة ممن يرسمون الكاريكاتير، ما هو ذنب سائر الناس؟

الجواب: أنّ استنفتاءاً حصل رسمياً في الدينمارك، ونسبة 76% من الشعب ممن قال: هذه حريّة شخصيّة، وعجبي لا ينتهي من هذه الحريّات، هم يفعلون ما شاءوا باسم الحريّة، ونحن ليس لنا حريّة أن نترك شراء بعض الأشياء، هذا أمر عجيب، وأن يجبر علينا أن نقطع هذه المقاطعة، لكن يبقى؛ هل المقاطعة شرعيّة، فإذا ترتّب عليه أنّ هؤلاء القوم يتركون أو يتراجعون، أو ينقصون فيبقى الحكم على تأصيل ابن القيّم على الوجوب، ولكن هذا الوجوب يحتاج لتقدير من قبل أولي الأمر، ولذا علّق بفتوى هيئة كبار العلماء، وكذلك الشيخ ابن باز –رجمه الله تعالى- الوجوب على إذن أولياء الأمور، والآن ولله الحمد والمنّة أكثر من صوت على مستوى أكثر من دولة في أكثر من مسؤولي الدول –بفضل الله تعالى- أبدوا حباً لدينهم ولنبيهم –صلى الله عليه وسلّم-، وكرهاً وبغضاً لهذه الفعلة الشنيعة.

قد يقول قائل: أليست هذه المقاطعة كالمقاطعات التي قبلها؟

أنا أقول: فرقٌ كبيرٌ بين المقاطعتين، هذه مقاطعة لمسألة عقديّة شرعيّة ظاهرة، فيها انتقاص للنبيّ –صلى الله عليه وسلّم-، تلك للجانب الحزبي قد يظهر، الجانب السياسي قد يظهر، ومع هذا أنا أقول: لو أنك يا عبدالله دخلت السوق فلم تشتري إلا من صاحب ديانة، حتى تعلم أين تضع مالك، ويوضع بين يديّ رجل تقيّ يُزكيه، فهذا حسنٌ مليحٌ بك، وهذا نوع قد يصل إليه أقوام بقربة زائدة من الله -عزَّ وجل-، لون من ألوان الحب والبغض، والولاء والبراء، نعم قد يقع بيع وشراء دون ولاء وبراء، والنبيّ والصحابة باعوا واشتروا من اليهود، والنبيّ رهن درعه عند اليهود، لكن إذا ترتّب في مثل هذا العمل فلا أرى حرجاً من ذلك، علماً بأنّ شتم النبيّ –صلى الله عليه وسلّم- والاستهزاء بسنته من سنن الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير